بتـــــاريخ : 9/17/2010 6:01:56 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1297 0


    ولا تقل لهما أف

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرنى | المصدر : alislamnet.com

    كلمات مفتاحية  :

    الحمد لله القائل: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)).
    والصلاة والسلام على رسول الله الذي بعثه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعد.. عباد الله:
    إن من أعظم المعاصي التي عصي الله بها في الأرض سبحانه وتعالى، قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، ولذلك توعد الله بالعذاب الأليم العاق والقاطع.
    وهي جريمة شنيعة تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين، أنكرها حتى الجاهليون و
    اليهود و النصارى في شرائعهم.
    ولذلك يقشعر جلد المؤمن يوم يرى الابن كلما كبر وشب وقوي تغمط حق والديه يوم أذهبا العمر والشباب زهرة الحياة في تربيته..
    فقد سهرا لينام، وجاعا ليشبع، وتعبا ليرتاح، ولما كبرا وضعفا ودنيا من القبر، وأصبحا قاب قوسين أو أدنى من الموت أنكر حقهما وجعلهما في مكان من الذلة لا يعلمه إلا الله.
    ولذلك قرن الله حقه بحقهما وجعل من لوازم العبودية بر الوالدين وصلة الرحم، يقول جل ذكره: ((
    وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)). فقد قضاه وأمره وأوجبه سبحانه وتعالى بأن لا يعبد إلا هو.
    ومع عبادته سبحانه وتعالى يقوم بر الوالدين وصلة الأب والأم وصلة الرحم.
    وانظر إلى هذه الصورة العجيبة للأب وهو محدب الظهر، قليل الصبر، قد شاب رأسه ولحيته.
    وصورة الأم وهي شمطاء الرأس، قد دنت من القبر، وأصبحت تتلهف على شبابها وصباها الذي أنفقته في تربية هذا الابن، فلما ترعرع وقوي ظهره واشتد ساعده كان نكالاً وغضباً ونكداً على والديه.
    ((
    إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ))، حتى كلمة أف على صغرها عند الناس لا تقال للوالدين.
    فقل لي بالله أيهما أعظم، حق كلمة أف أم الذين جحدوا حق الوالدين وعقوقهما وجعلوا جزاءهما السب والشتم والغلظة والنكال والقطيعة؟
    حتى أنه وجد في المجتمع من يعيش في الفلل والشقق البهية، ويركب المراكب الواطية ويأكل الموائد الشهية، ووالده في فقر وفي حاجة ملحة وفي ضنك لا يعلمه إلا الله.
    أي قلوب هذه القلوب؟
    وأي أرواح هذه الأرواح؟
    وقد بكت العرب في جاهليتها وإسلامها العقوق، وتوجعت واشتكت إلى بارئها منه.
    في الأدب والسير، أن أعرابياً وفد على الخليفة وهو يبكي.
    قال الخليفة: ما لك؟
    قال: أصبت بأعظم من مصيبة المال.
    قال: ما مصيبتك؟
    قال: ربيت ولدي، سهرت ونام، وأشبعته وجعت، وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر واحدودب ظهري من الأيام والليالي تغمط حقي، ثم بكى وقال:

    وربيته حتى تركته أخا القوم واستغنى عن الطر شاربه


    تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى الله يده الذي هو غالبه


    قيل: فلويت يد الابن وأصبحت وراء ظهره.
    وفي السير وبعض التفاسير كـ
    الكشاف بأسانيد فيها نظر، (أن رجلاً وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي قال: مالك؟
    قال: مظلوم يا رسول الله من ابني.
    قال: أي ظلم؟
    قال: ربيته، فلما كبر وضعف بصري، وضعف عظمي، ودنا أجلي، تغمط حقي فقابلني بالغلظة والجفاء.
    قال: هل قلت فيه شيئاً؟
    قال: نعم، قلت فيه:

    غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل


    إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ


    يقول: ما هذا جزائي، وما هذا رد الجميل، وما هذا حفظ المعروف، حتى الليلة التي تسقم فيها أبقى معك.. أنت السقيم ولكن أخذت السقم عنك، وأنت المريض فأخذت المرض منك.
    فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم)
    (1)
    وحق للقلوب اللينة، وللعيون الرقراقة بالدموع، أن تدمع لهذه المآسي التي وجدت في بلاد الإسلام، والتي شكت منها قلوب الوالدين.
    فهل أظلم وهل أكبر وأشنع من أن ترى ابنك وقد أصبح في مصاف الرجال، وقد أعطيته شبابك وزهرة عمرك ولذة روحك وشذا نفسك، ثم رد عليك الجميل بالقبيح، فإذا صوته في البيت صائل.. لا ينفذ لك أمراً.. ولا يخفض لك جناحاً؟
    إنها يا عباد الله مأساة ما بعدها مأساة.
    يقول صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الأعمال الصالحة أيها أزكى وأيها أعظم؟
    قال: (
    الصلاة لوقتها.
    قيل: ثم أي؟
    قال: بر الوالدين.
    قيل: ثم أي؟
    قال: الجهاد في سبيل الله
    ) (1) .
    ويسافر صلى الله عليه وسلم بالقلوب ويحدثها عن رجل من بني إسرائيل كان باراً بوالديه.
    ويا عجباً أن يوجد في
    اليهود و النصارى من تلين قلوبهم لوالديهم وهم أحفاد القردة والخنازير، وهم أعداء الله، وهم الذين لعنهم الله من فوق سبع سماوات.
    ويوجد في بلاد المسلمين من قسا قلبه، ومن طمس على فكره، فلا يلين قلبه أبداً.
    عن
    عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار.
    فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم.
    قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق
    (1) قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أُرح (1) عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت -والقدح على يدي- أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون (1) عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما.
    اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.) الحديث
    (1) .
    عباد الله، إن العقوق مأساة وجدت في المجتمعات وفي البيوت، وأصبحت من أعظم المشكلات على الآباء والأمهات مشكلة الابن.
    وفي بعض الآثار يود الرجل في آخر الزمان أن يربي جرو كلب ولا يربي ابناً
    (1) .
    نعم.. وجد هذا، ورأينا ورأى غيرنا الآباء الذين أصبحوا في الشيخوخة وهم يتباكون ويتضرعون ويجأرون من هذه الذرية الظالمة.
    فهل من عودة يا شباب الإسلام إلى الله؟
    وهل من خفض جناح؟
    وهل من بر وجودة مع الآباء والأمهات؟
    يأتي رجل للرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: (
    يا رسول الله!
    من أحق الناس بحسن صحبتي؟
    قال: أمك.
    قال: ثم من؟
    قال: أمك.
    قال: ثم من؟
    قال: أمك.
    قال: ثم من؟
    قال: أبوك
    ) (1) .
    فالأم لها ثلاثة أرباع الحق، فهي التي حملت وأرضعت وألحفت وأدفأت، فجزى الله آباءنا وأمهاتنا خير الجزاء، وأسقاهم الله من الحوض المورود، فلا يظمؤون بعد تلك الشربة أبداً.
    نعم.. إن بر الوالدين قضية كبرى، ومن فوائد بر الوالدين:
    - أن يهديك سواء السبيل.
    - وأن يصلح الله ذريتك.
    - وأن يمدك بعون منه.
    - وأن يرزقك قبولاً في الناس.
    - وأن يسددك في أقوالك.
    ومن آثار العقوق: اللعنة من الله ((
    فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)).
    قال بعض أهل العلم: أصمهم فلا يسمعون، وأعمى أبصارهم فلا يتدبرون ولا يتفكرون ولا يعقلون.
    قال تعالى:
    ((
    وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)).
    وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
    لا يدخل الجنة قاطع) (1)
    وهو من قطع رحمه ووالديه، قطع الله حبله من السماء، وقطع ذمته وعهده.
    ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (
    لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش وقالت: يا رب هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
    قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟
    قالت: بلى يا رب. قال: فذلك لك، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته
    ) (1) .
    فأنزلها الله في الأرض.
    والغريب أن الجاهليين وهم يعبدون الوثن يفتخرون بصلة الرحم.
    يقول
    المقنع الكندي الجاهلي:

    وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا


    إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هتكوا مجدي بنيت لهم مجدا


    ولست بأحمل حقداً عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا


    عباد الله.. لقد كان أرق الناس وأحلم الناس الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكر الله خلقه ومجد أنفاسه في القرآن فقال: ((
    وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)).
    وقال: ((
    فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)).
    وقد بلغ في صلة الرحم مبلغاً عظيماً ضرب به المثل على مدى التاريخ.
    فما سمعت الدنيا بأوصل منه صلى الله عليه وسلم.
    قام أقاربه وأبناء عمه فأخرجوه من
    مكة وطاردوه وشتموه وسبوه وآذوه، وحاربوه في المعارك، ونازلوه في الميدان، وقاموا عليه بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية.
    فلما انتصر ماذا فعل؟
    لقد دخل
    مكة منتصراً، ووقفت له الأعلام مكبرة، وطنت لذكر نصره الجبال، فوقف على حلق باب الكعبة صلى الله عليه وسلم وهو يقول للقرابة والعمومة: (ما ترون أني فاعل بكم؟
    .
    فقالوا -وهم يتباكون-: أخ كريم وابن أخ كريم.
    فيقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء
    ) (1) .
    وكأنه يقول: عفا الله عنكم وسامحكم الله.
    و(
    يأتي ابن عمه أبو سفيان بن الحارث فيسمع بالانتصار وهو قد آذى الرسول صلى الله عليه وسلم وسبه، فيأخذ أطفاله ويخرج من مكة، فيلقاه علي بن أبي طالب فيقول: إلى أين تذهب؟
    قال: أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعرياً، والله إن ظفر بي محمد ليقطعني بالسيف إرباً إرباً.
    فيقول
    علي وهو يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم: أخطأت يا أبا سفيان، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصل الناس وأبر الناس، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة وقل له كما قال إخوة يوسف لـيوسف : ((تَالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)).
    فأتى بأطفاله ووقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
    يا رسول الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته ((
    تَالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)).
    فيبكي صلى الله عليه وسلم وينسى تلك الأعمال والأيام وتلك الصحف السوداء ويقول: ((
    لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ))).
    فهل من مقتد بأفعاله وأخلاقه؟
    فإنه هو الأسوة الحقة، وإن اتباعه نجاة من العار والدمار.
    تأتيه أخته صلى الله عليه وسلم وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة وهي لا تعرفه وهو لا يعرفها، فقد مرت سنوات، وأيام وأيام، وأعوام وأعوام، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاعة وهو تحت سدرة، والناس بسيوفهم بين يديه وهو يوزع الغنائم، فتستأذن، فيقول لها الصحابة: من أنت؟
    فتقول: أنا أخت الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أنا
    الشيماء بنت الحارث ، أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية .
    فيخبرون الرسول صلى الله عليه وسلم فتترقرق الدموع في عينيه، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة وبعد الوحشة والغربة، ويجلسها مكانه ويظللها من الشمس
    (1) .
    تصوروا رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، يظلل هذه العجوز من الشمس لرضعة واحدة؟
    فأين الذين قطعوا عماتهم وخالاتهم وبناتهم وأخواتهم، بل حتى الميراث الذي أحله الله لهن حرموه عليهن.
    وقد سمعنا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة تبكي وتقول: ظلمني.. أنصفني الله منه.
    فيسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أخته عن أحوالهم ثم يقول لها: (
    اختاري الحياة هنا أو تريدين أهلك؟
    فتقول: أريد أهلي
    ). (1)
    فيعطيها المال ليعلم الناس صلة الأرحام.
    عباد الله.. أوصيكم ونفسي بصلة الأرحام وببر الوالدين، ففيهما الخير الكثير والأجر العميم من الله سبحانه، وفيهما من تقريب القلوب لبعضها وإزالة الشحناء والغل فيما بينها.
    فبروا آباءكم وأمهاتكم، وصلوا أرحامكم لتدخلوا جنة مولاكم.
    فقد قال صلى الله عليه وسلم كما سبق: (
    لا يدخل الجنة قاطع)، أي قاطع رحم.
    والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()