بتـــــاريخ : 8/2/2010 7:29:10 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 881 0


    ليلة عاشوراء

    الناقل : SunSet | العمر :36 | المصدر : www.holykarbala.net

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام المرأة المسلمة ليلة عاشوراء


     

    (ليلة عاشوراء)


    إن مشكلة كبيرة واحدة تحدث في حياة الإنسان قد تسلبه القرار والاستقرار ، وتورثه الأرق والقلق والسهر ، وترفض عيناه النوم ، فكيف إذا أحاطت به عشرات المشاكل الكبيرة ؟ !
    من الواضح أن أقل ما يمكن أن تسببه تلك المشاكل هو : الإنهيار العصبي ، وفقدان الوعي ، واختلال المشاعر وتبلبل الفكر ، وتشتت الخاطر .
    فهل نستطيع أن نتصور كيف انقضت ليلة عاشوراء على آل رسول الله ؟ !
    فالهموم والغموم ، والخوف والتفكر حول الغد ، وما يحمله من الكوارث والفجائع ، وبكاء الأطفال من شدة العطش ، ـ وغير ذلك من المميزات تلك الليلة ـ جعلت الليلة فريدة من نوعها في تاريخ حياة أهل البيت (عليهم السلام) .
    وفي ساعة من ساعات تلك الليلة خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من منطقة المخيم ، راكباً جواده ، يبحث في تلك الضواحي حول التلال والربووات ـ المشرفة على منطقة المخيم ـ التي كان من الممكن أن يمكن العدو خلفها غداً ، إذا اشتعلت نار الحرب .
    ويرافقه في تلك الجولة الإستطلاعية نافع بن هلال ، وهو ذلك البطل الشجاع المقدام ، وكان من أخص أصحابه وأكثرهم ملازمة له ، فلنستمع إليه :
    إلتفت الإمام خلفه وقال : من الرجل ؟ نافع ؟
    قلت : نعم ، جعلني الله فداك ! ! أزعجني خروجك ليلاً إلى جهة معسكر هذا الطاغي .
    فقال : يا نافع ! خرجت أتفقد هذه التلال مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل على مخيمنا يوم تحملون ويحملون .
    ثم رجع (عليه السلام) وهو قابض على يساري ، وهو يقول : «هي ، هي ، والله ، وعد لا خلف فيه» .
    ثم قال : يا نافع ! ألا تسلك ما بين هذين الجبلين (1) من وقتك هذا ، وتنجو بنفسك ؟
    فوقعت على قدميه ، وقلت : إذن ثكلت نافعاً أمه ! !
    سيدي : إن سيفي بألف ، وفرسي مثله ، فو الله الذي من علي بك لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري (2).
    ثم فارقني ودخل خيمة أخته ، فوقفت إلى جنبها (3) رجاء أن يسرع في خروجه منها .
    فاستقبلته زينب ، ووضعت له متكئاً ، فجلس وجعل يحدثها سراً ، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها ، وقالت : وا أخاه ! أشاهد مصرعك ، وأبتل برعاية هذه المـذاعير (4) من النساء ؟ والقوم ـ كما تعلم ـ ما هم عليه من الحقد القديم .
    ذلك خطب جسيم ، يعز علي مصرع هؤلاء الفتية الصفوة ، وأقمار بني هاشم !
    ثم قالت : أخي هل إستعلمت من أصحابك نياتهم ؟ فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة ، واصطكاك الأسنة !
    فبكى (عليه السلام) وقال : أما والله لقد لهزتهم (5) وبلوتهم ، وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس (6) يستأنسون بالمنية دوني إستيناس الطفل بلبن أمه .
    قال نافع بن هلال : فلما سمعت هذا منه بكيت ، واتيت حبيب بن مظاهر ، وحكيت له ما سمعت منه ومن أخته زينب .
    فقال حبيب : والله لو لا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة !
    قلت : إني خلفته عند أخته وهي في حال وجل ورعب ، وأظن أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة والزفرة ، فهل لك ان تجمع اصحابك وتواجههن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن ؟ فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه .
    فقال لي : طوع إرادتك ، فبرز حبيب ناحية ، ونافع إلى ناحية ، فانتدب أصحابه .
    فتطالعوا من مضاربهم (7) فلما اجتمعوا قال ـ لبني هاشم ـ : إرجعوا إلى منازلكم ، لا سهرت عيونكم ! !
    ثم خطب أصحابه وقال : يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة !
    هذا نافع يخبرني الساعة بكيت وكيت ، وقد خلف أخت سيدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين . أخبروني عما أنتم عليه ؟
    فجردوا صوارمهم ، ورموا عمائمهم ، وقالوا : يا حبيب ! والله الذي من علينا بهذا الموقف ! لئن زحف القوم لنحصدن رؤوسهم ، ولنلحقنهم بأشياخهم أذلاء ، صاغرين ولنحفظن وصية رسول الله في أبنائه وبناته !
    فقال : هلموا معي .
    فقام يخبط الأرض (8) ، وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ، ونادى : «يا أهلنا ويا سادتنا ! ويا معشر حرائر رسول الله ! هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلا في رقاب من يبغي السوء بكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم ! (9)
    فقال الإمام الحسين (عليه السلام) : أخرجهن عليهم يا آل الله !
    فخرجن ، وهن ينتدبن (10) ويقلن : حاموا أيها الطيبون عن الفاطميات ، ما عذركم إذا لقينا جدنا رسول الله ، وشكونا إليه ما نزل بنا ؟
    وكان حبيب وأصحابه حاضرين يسمعون وينظرون ، فو الله الذي لا إله إلا هو ، لقد ضجوا ضجة ماجت منها الأرض ، واجتمعت لها خيولهم وكان لها جولة واختلاف صهيل ، حتى كأن كلاً ينادي صاحبه وفارسه . (11) (12)
    وروي عن فخر المخدرات السيدة زينب (عليها السلام) أنها قالت : «لما كانت ليلة عاشر من المحرم خرجت من خيمتي لأتفقد أخي الحسين وأنصاره ، وقد أفرد له خيمة ، فوجدته جالساً وحده ، يناجي ربه ، ويتلو القرآن .
    فقلت ـ في نفسي ـ : أفي مثل هذه الليلة يترك أخي وحده ؟ والله لأمضين إلى إخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك .
    فأتيت إلى خيمة العباس ، فسمعت منها همهمة ودمدمة ، (13) فوقفت على ظهرها (14) فنظرت فيها ، فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة ، وبينهم العباس بن أمير المؤمنين ، وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته ؛ فخطب فيهم خطبة ـ ما سمعتها إلا من الحسين ـ : مشتملة على الحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي وآله .
    ثم قال ـ في آخر خطبته ـ : يا إخوتي ! وبني إخوتي ! وبني عمومتي ! إذا كان الصباح فما تقولون ؟
    قالوا : الأمر إليك يرجع ، ونحن لا نتعدى لك قولاً . (15)
    فقال العباس : إن هؤلاء (أعني الأصحاب) قوم غرباء ، والحمل ثقيل لا يقوم إلا بأهله ، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم .
    نحن نقدمهم إلى الموت لئلا يقول الناس : قدموا أصحابهم ، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة . (16)
    فقامت بنو هاشم ، وسلوا سيوفهم في وجه أخي العباس ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه !
    قالت زينب : فلما رأيت كثرة إجتماعهم ، وشدة عزمهم ، وإظهار شيمتهم ، سكن قلبي وفرحت ، ولكن خنقتني العبرة ، فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين وأخبره بذلك ، فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمة ودمدمة ، فمضيت إليها ووقفت بظهرها ، ونظرت فيها ، فوجدت الأصحاب على نحو بني هاشم ، مجتمعين كالحلقة ، بينهم حبيب بن مظاهر ، وهو يقول :
    «يا اصحابي ! لم جئتم إلى هذا المكان ؟ أوضحوا كلامكم ، رحمكم الله» .
    فقالوا : أتينا لننصر غريب فاطمة !
    فقال لهم : لم طلقتم حلائلكم ؟
    قالوا : لذلك .
    قال حبيب : فإذا كان الصباح فما أنتم قائلون ؟
    فقالوا : الرأي رأيك ، لا نتعدى قولاً لك .
    قال : فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للقتال ولا نرى هاشمياً مضرجاً بدمه وفينا عرق يضرب ، لئلا يقول الناس : قدموا ساداتهم للقتال ، وبخلوا عليهم بأنفسهم .
    فهزوا سيوفهم على وجهه ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه . فانصرفت عنهم وأنا باكية ، وإذا بأخي الحسين قد عارضني (17) ، فسكنت نفسي ، وتبسمت في وجهه .
    فقال : أخيه .
    قلت : لبيك يا أخي .
    فقال : يا أختاه ! منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة ، أخبريني : ما سبب تبسمك ؟
    فقلت له : يا أخي ! رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا .
    فقال لي : يا أختاه ! إعلمي أن هؤلاء أصحابي من عالم الذر ، وبهم وعدني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
    هل تحبين أن تنظري إلى ثبات أقدامهم ؟
    فقلت : نعم .
    فقال : عليك بظهر الخيمة .
    قالت زينب : فوقفت على ظهر الخيمة ، فنادى أخي الحسين : «إين إخواني وبنو أعمامي» ؟
    فقال الحسين : أريد أن أجدد لكم عهداً .
    فأتى أولاد الحسين وأولاد الحسن ، وأولاد علي وأولاد جعفر وأولاد عقيل ، فأمرهم بالجلوس ، فجلسوا .
    ثم نادى : أين حبيب بن مظاهر ، أين زهير ، أين نافع بن هلال ؟ أين الأصحاب ؟
    فأقبلوا ، وتسابق منهم حبيب بن مظاهر ، وقال : لبيك يا أبا عبد الله !
    فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم ، فأمرهم بالجلوس فجلسوا .
    فخطب فيهم خطبةً بليغة ، ثم قال :
    «يا أصحابي ! إعملوا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصد سوى قتلي وقتل من هو معي ، وأنا أخاف عليكم من القتل ، فأنتم في حل من بيعتي ، ومن أحب منكم الإنصراف فلينصرف في سواد هذا الليل .
    فعند ذلك قامت بنو هاشم ، وتكلموا بما تكلموا ، وقام الأصحاب وأخذوا يتكلمون بمثل كلامهم .
    فلما رأى الحسين حسن إقدامهم ، وثبات أقدامهم ، قال : إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم ، وانظروا إلى منازلكم في الجنة .
    فكشف لهم الغطاء ، ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها ، والحور العين ينادين : العجل العجل ! فإنا مشتاقات إليكم .
    فقاموا بأجمعهم ، وسلوا سيوفهم ، وقالوا : يا أبا عبد الله ! إئذن لنا أن نغير على القوم ، ونقاتلهم حتى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء .
    فقال : إجلسوا رحمكم الله ، وجزاكم الله خيراً .
    ثم قال : ألا ومن كان في رحله إمرأة فلينصرف بها إلى بني أسد . (18)
    فقام علي بن مظاهر وقال : ولماذا يا سيدي ؟
    فقال : إن نسائي تسبى بعد قتلي ، وأخاف على نسائكم من السبي .
    فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته ، فقامت زوجته إجلالاً له ، فاستقبلته وتبسمت في وجهه .
    فقال لها : دعيني والتبسم !
    فقالت : يا بن مظاهر ! إني سمعت غريب فاطمة ! خطب فيكم وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة ، فما علمت ما يقول ؟
    قال : يا هذه ! إن الحسين قال لنا : ألا ومن كان في رحله إمرأة فليذهب بها إلى بني عمها ، لأني غداً أقتل ، ونسائي تسبى .
    فقالت : وما أنت صانع ؟
    قال : قومي حتى ألحقك ببني عمك : بني أسد .
    فقامت ، ونطحت رأسها بعمود الخيمة ، وقالت :
    «والله ما انصفتني يا بن مظاهر ، أيسرك أن تسبى بنات رسول الله وأنا آمنة من السبي ؟ !
    أيسرك أن تسلب زينب إزارها من رأسها وأنا استتر بإزاري ؟ !
    أيسرك أن يبيض وجهك عند رسول الله ويسود وجهي عند فاطمة الزهراء ؟ !
    والله أنتم تواسون الرجال ، ونحن نواسي النساء» .
    فرجع علي بن مظاهر إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يبكي .
    فقال له الحسين : ما يبكيك ؟
    قال : سيدي . . أبت الأسدية إلا مواساتكم ! !
    فبكى الإمام الحسين ، وقال : جزيتم منا خيراً . (19)
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ليس في أرض كربلاء جبل ، وإنما فيها تلال وربوات لا تزال موجودة ويقال لها ـ بالغة الدارجة ـ : علوة وعلاوي ، ولعل الإمام (عليه السلام) قصد من الجبلين : التلال الموجودة في تلك المنطقة .
    (2) أي : حتى يعجز السيف عن القطع ، ويعجز الفرس عن الركض .
    (3) جنبها : أي جنب الخيمة .
    (4) المذاعير ـ جمع مذعور ـ : وهو الذي أخافوه .
    (5) يقال : لهزته اي : خالطته ، والمقصود : الإختبار والإمتحان .
    (6) الأشوس : الجريء على القتال الشديد والأقعس : الرجل الثابت العزيز المنيع .
    (7) المضارب ـ جمع مضرب ـ : الخيمة .
    (8) يخبط الأرض : يضرب الأرض برجليه ضرباً شديداً ، وهو مأخوذ من ضرب البعير الأرض برجله .
    (9) أسنة : رماح .
    يركزوها : الركز : غرزك شيئاً منتصباً . . كالرمح ونحوه ، يقال ركزه ركزاً في مركزه إي : ثبته في مكانه . كما في «لسان العرب» . ناديكم : محل اجتماعكم . النادي : مجلس القوم ماداموا مجتمعين فيه .
    (10) وفي نسخة : يندبن .
    ينتدبن : الإنتداب : بمعنى الإسراع ، وبمعنى تلبية الطلب ، فيكون المعنى : «يتسارعن» في خروجهن من الخيام .
    (11) الظاهر أن المراد : حتى كأن كل واحد من الخيل ينادي ـ في صهيله ـ صاحبه وفارسه . . لركوب استعداداً للإنطلاق والقتال .
    (12) كتاب (الدمعة الساكبة) ج 4 ص 273 ، المجلس الثاني : فيما وقع في ليلة عاشوراء ، نقلاً عن الشيخ المفيد ، رضوان الله عليه . وكتاب (معالي السبطين) للشيخ محمد مهدي المازندراني ، المجلس الرابع : وقائع ليلة عاشوراء .
    (13) الهمهمة : هو الصوت الذي يسمع ولايفهم معناه ، بسبب خفائه أو اختلاطه مع أصوات أخرى . قال إبن منظور في (لسان العرب) : الهمهمة : الكلام الخفي ، وهمهم الرجل : إذا لم يبين كلامه ، والهمهمة : الصوت الخفي ، وقيل : هو صوت معه بحح .
    (14) ظهرها : أي ظهر الخيمة ، بمعنى خلفها وورائها .
    (15) لا نتعدى : لا نتجاوز من رأيك إلى رأي غيرك .
    (16) عالجوا : حاولوا التخلص من الموت بسيوفهم . . محاولةً بعد محاولة ، ومرةً بعد اخرى .
    (17) عارضني : واجهني .
    (18) الرحل : ما تستصحبه في السفر . . من الأثاث أو الزوجة أو غير ذلك ، كما يستفاد من «لسان العرب» .
    (19) معالي السبطين للمازندراني ج 1 ، المجلس الثالث في وقائع ليلة عاشوراء .


    المصدر : كتاب / زينب الكبرى من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني


    كلمات مفتاحية  :
    إسلام المرأة المسلمة ليلة عاشوراء

    تعليقات الزوار ()