بتـــــاريخ : 6/29/2010 5:10:41 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 832 0


    بل حَدِّث بكل الحرج

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د. درية شرف الدين | المصدر : www.almasry-alyoum.com

    كلمات مفتاحية  :
    حدث حرج مقالات اراء

    مجموعة من الهنود المسلمين، أغلبهم من السيدات، يسيرون فى مجموعات، تجمع بينهم الملامح المعروفة التى لا تخطئها العين لسكان شبه القارة الهندية وجيرانهم، يلبس الرجال جلابيب بيضاء ناصعة بينما ترتدى السيدات أزياءهن التقليدية ذات الألوان الزاهية المنسدلة على كامل الجسم، البعض منهن جئن من الهند وعلى كتفهن طفل رضيع لم يمنعهن وجوده من السعى وراء زيارة مساجد وأضرحة آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام فى مصر.

    فى يد الجميع كتاب صغير يستدلون به على المكان ويقرأون منه الأدعية، شاهدت العديد من هؤلاء الهنود فى الأيام الأخيرة يسيرون فى القاهرة، فى الطرقات والحوارى التى تؤدى إلى المساجد التى تضم أضرحة لآل البيت، ربما كانوا من الشيعة أو من البهرة. ألتفت إليهم وأتمعن فى وجوههم وأتفكر فى هؤلاء الذين لا يعرفون العربية لكنهم مسلمون يقرأون القرآن.

    استغرقتنى مشاهدتهم فترة التفت بعدها إلى ما يبدو أنهم يشيرون إليه فى غضب هادئ وينظرون إليه فى لوم.. عند مسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها وعند واجهة المسجد الجميل الذى يتوسط ميداناً يُفترض أنه يطل على حديقة هى الأخرى تضم أجساد بعض الصالحين الأولين، لم تجد هيئة النظافة بالقاهرة إلا هذا المكان لتضع به صندوقاً ضخماً كئيب اللون والمنظر لجمع القمامة، ثم نسيت أن تجمعها فتدلت القمامة، منه وعلى جانبيه، فى وليمة دائمة يشارك فيها الذباب والقطط، منظر أصبح معتاداً فى شوارعنا حتى كدنا لا نراه، لكن الغير يراه ويستهجنه،

    أما الحديقة فهى تحمل اسمها فقط وتحوى بعض الأشجار القديمة الهزيلة.. وأما ما حول المسجد وما على جانبيه فحدث بلا حرج، بل بصراحة بكل الحرج والاعتراض والرفض. على الجانب الأيسر من المسجد وقبل ممر دخول السيدات، هناك بيوت صغيرة من طابق واحد أو اثنين غاية فى الفقر والإهمال من حيث المنظر أو الطلاء الذى سقط منذ زمن بعيد، مع أن بعضها جميل ومازال يحمل آثار رونق قديم من المشربيات والأبواب الخشبية،

    وبقليل من الاهتمام والترميم يمكن أن تعود إلى سابق عهدها، تحت البيوت «مقاهى» بها أردأ أنواع وأشكال الموائد والمقاعد متنافرة الشكل واللون تأنف أن تمد يدك إليها، وجلس أصحابها ينتظرون زائراً لن يأتى بالطبع، وعند واجهة الممر الذى يمثل جدار المسجد أحد جانبيه تبدأ مأساة أخرى يتلقاها كل من يمر منه، حيث تتلقفه جوقة من المتسولات والمتسولين، البعض يتسول واقفاً والآخر قاعداً،

    تجلس السيدات ذوات الأوزان الثقيلة على الأرض وأقدامهن المتسخة فى وجه الجميع وأياديهن تمتد حتى تمسك بساقك أو بملابسك طلباً للمساعدة، إلحاح يصل إلى حد الاعتداء والتطفل وقطع الطريق دون رادع من أحد، ثم يبدأ دور الشحاذة الواقفة، جحافل من رجال ونساء وأطفال وحلقات من الحصار والتتبع لا تنتهى وتمثل مشهداً حول المزارات الدينية لا تتميز به إلا مصر وحدها للأسف وغالباً ما تنتهى بسرقة الزائر أو بانهيار الزائرة الغريبة، وهى لا تستطيع أن تدفع هذا الهجوم الذى يحيط بها من كل جانب، يضيق الممر الضيق أساسًا بأقفاص ضخمة عليها لعب بلاستيكية للأطفال وبخور ومسابح ولفافات من فروع خضراء بها زهور هزيلة للبيع، ويمارس أصحاب الأقفاص نفس سلوك الشحاذة السابقة فى الحصار والإلحاح،

    جدران المسجد التى تمثل جانباً من الممر تركت نهباً لكتابات عديدة وامتدت بها «مقاهى» يجلس عليها الرجال فى هذا الممر الضيق للسيدات وأصوات الأدعية والأذكار بلهجات غريبة تصدر عنها، مدخل– للأسف– لا يليق بمقام مساجد أهل البيت، حائط أسمنتى منخفض ودرجات سلم وبقايا من موكيت وأحذية متناثرة ثم ساحة أمامية تنام فيها سيدات وكأنهن فى بيوتهن بلا غطاء وإلى جوارهن أطفال نيام أيضاً وبعض الرجال يجلسون أمام باب يقال عنه إنه مخزن، ثم ندلف إلى داخل المسجد، حلقات جديدة من نساء وأحاديث منزلية لا تنتهى عالية الصوت تربك من تدخل المسجد بغرض الصلاة،

    أطفال يتجولون، وأخريات يفترشن الأرض حول الضريح فلا تجد مكاناً للوقوف وقراءة الفاتحة، ورجل يجلس فى الجانب الآخر المخصص للرجال ينادى على السيدات بلا حياء ويطلب نقوداً هو الآخر، حرارة خانقة وأرضيات غير نظيفة ورائحة غير طيبة تحيط بالمكان كله، وبقايا مراوح معلقة، وتسأل : أين الاختراع الجديد الذى يسمى تكييف هواء؟ وأين ناتج تبرعات الناس الضخمة التى تذهب إلى هذا المسجد كى يبقى نظيفاً مرتباً ومريحاً للزائرين؟

    جاورت فى زيارة مسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها بعض الزائرت الهنديات والزائرين، لم أكن فى حاجة إلى معرفة لغتهم حتى أتبين مدى ما يشعرون به من ضيق وحسرة على حال مزار دينى جليل جاءوا إليه من بعيد للزيارة فوجدوه فى حالة يُرثى لها، ولا تليق به ولا بنا.

    كلمات مفتاحية  :
    حدث حرج مقالات اراء

    تعليقات الزوار ()