بتـــــاريخ : 6/8/2010 7:12:53 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1543 0


    إيليا أبو ماضي

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : MatriX | المصدر : www.borsaat.com

    كلمات مفتاحية  :
    إيليا أبو ماضي

    تقول الشاعرة فدوى طوقان: إنني أرفع أبو ماضي إلى القمة ولا أفضّل عليه شاعراً عربياً آخر لا في القديم ولا في الحديث. فالشعر العربي لم يعرف له من نظير.




     


    من هو؟


    إيليا ضاهر أبو ماضي، ولد في قرية المحيدثة قضاء المتن الشمالي في لبنان في 8 أبريل 1888 وتفيد بعض المصادر أنه ولد في 21 مايو 1890، كان من عائلةٍ أرثوذكسية فقيرة، يعتبر من رواد الشعر المعاصر، وأحد أعلام النهضة الأدبية العربية في بدايات القرن العشرين.




     

     

    نشأته


    أجبره الفقر أن يترك دراسته بعيد الابتدائية، فغادر لبنان إلى مصر ليعمل في تجارة التبغ، وكانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك، نشر قصائد له في مجلاتٍ لبنانية صادرة في مصر، اهمها "العلم" و "الاكسبرس"، وهناك، تعرف إلى الأديب أمين تقي الدين، الذي تبنى المبدع الصغير ونشر اولى اعمال ايليا في مجلته "الزهور".





     

     

    مسيرته الأدبية


    وفي مصر، أصدر أبو ماضي أول دواوينه الشعرية عام 1911، بعنوان "تذكار الماضي"، وكان يبلغ من العمر 22 عاماً، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى امريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينية سنسيناتي سيتي، وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916، وهناك، عمل نائباً لتحرير جريدة "مرآة الغرب" وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب وأنجبت له ثلاثة أولاد. تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية، التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث، وتعتبر هذه الرابطة أهم العوامل التي ساعدت أبي ماضي على نشر فلسفته الشعرية.

    في 15 أبريل 1919، قام ايليا أبو ماضي بإصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي مجلة "السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة، وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها، واشترك في اصدارها معظم شعراء المهجر لا سيما أدباء المهجر الأمريكي الشمالي، وقام بتحويلها عام 1936 إلى جريدة يومية. امتازت بنبضها العروبي. لم تتوقف "السمير" عن الصدور حتى وفاة شاعرنا بنوبة قلبية أسكتت قلبه المرهف بالشعر في 13 نوفمبر 1957.






     

     

    أهم الأعمال


    تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها: 1. تذكار الماضي (الاسكندرية 1911): تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده. 2. إيليا أبو ماضي (نيويورك 1918): كتب مقدمته جبران خليل جبران، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة. 3. الجداول (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة. 4. الخمائل (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال. 5. تبر وتراب 6. الغابة المفقودة





     

     

    أهم العوامل المؤثرة في شعر أبي ماضي:


    أحاطته الطبيعة في طفولته، وكانت قرية المحيدثة تحاصر إيليا أبو ماضي بأشكال الجمال الأخضر والجداول المغردة للجمال، فتعلم حب الطبيعة وتعلق بمناجاتها. الفقر، فنشأته في قسوة الفقر، جعلت منه رسولاً للفقراء، فكتب دوماً عن المساواة الاجتماعية، فكلنا من تراب، لا غني ولا فقير. الهجرة، والاغتراب، كان التشرد في الغربة ثاني مدماك في اتجاه أبي ماضي، ومن التشرد تعلم الوفاء للوطن، فأغزر في الشوق اليه والعناية بطيفه الباق في قلبه. الاختلاط بالنخب، ففي المهجر، كان أبي ماضي منغمساً في علاقته برواد النهضة العربية وقادة الفكر التحرري الأدبي، فاستفاد منهم، وبنى منهجه الشعري وأسلوبه الأدبي.



     

     

    في دراسة شعره


    يسميه النقاد: شاعر الأمل والتفاؤل (قال السماء كئيبةً وتجهمَ، قلت ابتسم يكفي التجهم في السما، قال الصبا ولّى فقلت له ابتسم، لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما)كان الجمال حاضراً في أغلب أعمال أبي ماضي، وامتاز بعشقه للطبيعة (يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى، سرَّ اللطافة في النسيم الساري، وأَجسَّ مؤتلق الجمالِ بأصبعي، في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري) وجعله قريناً بكل شيء، ويوصف بأنه كان يحمل روح الشرق في المهجر، حمل هم أمته، فكتب لمصر عندما هددها الطغيان: (خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما، أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما، لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً، هاجه العابثُ بالحق فلاما).

    كما لم ينس أوجاع الفقراء والمسحوقين فكتب لهم كثيراً وجعلهم من ثوابت قلمه المبدع (وإن هم لم يقتلوا الأشقياء، فيا ليت شعريَ من يقتلونْ ، ولا يحزننكمُ موتُهمْ، فإنهمُ للردى يولدونْ ، وقولوا كذا قد أراد الإله، وإن قدر الله شيئًا يكونْ).

    أما الوطن، فلم يغب، فكان لبنان محور يوميات ايليا أبو ماضي ، (اثنان أعيا الدهر أن يبليهما، لبنان والأمل الذي لذويه) وأجاد مع الحرب العالمية في ترجمة الحنين إلى العائلة والأرض شعراً: (يا جارتي كان لي أهلٌ وإخوان، فبتت الحرب ما بيني وبينهم، كما تقطع أمراس وخيطان، فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم، وكل ما حولهم بؤس وأحزان، وكان لي أمل إذا كان لي وطن)

    نصل إلى الحب، كانت تجارب أبي ماضي قاسيةً عاطفياً، ولكنه احتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته، فكان يخرج دوماً حالماً مبرراً القسوة والانكسار جاعلاً منه قلعة تفاؤل وتمسك بالحب، رغم انه لم ينف الحزن في قلبه، الا انه ميزه عن اليأس، (إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي، لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي).





     

     

    فلسفته


    إيليا أبو ماضي، هو الشاعر الفيلسوف، كان ذو رؤيةٍ فلسفية لكل شيء، فله في الموت فلسفة وفي الكون والوجود، وفي السياسة وفي المجتمع وفي الحب، آمن أن الانسان خالد وأن الموت ليس آخر المطاف، بل تكملة للمسيرة، شارك جبران خليل جبران في ايمانه بالتقمص والعودة بأشكالٍ حياتية أخرى، خصص مساحةً من شعره للماورائيات، عادى التعصب والطائفية، ونبذها في قصائده مبشراً بديانة الانسان!

    خلاصة: اذاً، نستطيع أن نجزم أخيراً، ان ما تعرضنا له، هو أحد أهم معالم الشعر الحديث، ومادة النقد الدسمة التي احتار فيها النقاد، فإيليا أبو ماضي طوب بفلسفته وحكمته وعبقرية عباراته ونظرياته، طوب نفسه قديس الشعر، والمغامر الذي جعل الشعر رسالةً فلسفية، وكسر جماد الشعر القديم وكيفه مع الحداثة، في مزيجٍ حضاري بين الغرب والشرق. كما نجزم أن أبو ماضي، هو شاعر القضية، قضية الوطن والجمال والثورة الاجتماعية والحب.






     

     

    من شعره


    أيهـذا الشاكـي ومـا بــك داءٌ...................كيف تغـدوا اذا غـدوت عليـلا

    ان شـر النفـوس نفـس يـؤوس .................. يتمنـى قبـل الرحيـل الرحيـلا

    ويرى الشوك في الورود ويعمـى ................ان يـرى فوقهـا النـدى اكليـلا

    هو عـبء علـى الحيـاة ثقيـل ..................من يرى في الحيـاة عبئـا ثقيـلا

    والـذي نفسـه بغـيـر جـمـال................... لايرى في الوجود شيئـا جميـلا


    كم تشتكي

    كم تشتكي وتقول انك معدم...........والارض ملكك والسما والأنجم

    ولك الحقول وزهرها وأريجها...........ونسيمها والبلبل المترنم

    والماء حولك فضة رقراقة...........والشمس فوقك عسجد يتضرغم

    والنور يبني في السفوح وفي الذرى...........دورا مزخرفة وحينا يهدم

    هشت لك الدنيا فمالك واجم...........وتبسمت فعلام لا تتبسم

    ان كنت مكتئبا لعز قد مضى...........هيهات يرجعه اليك تَنَدُّم

    او كنت تشفق من حلول مصيبة...........هيهات يمنع أن تحل تجهم

    أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل...........شاخ الزمان فانه لا يهرم

    أُنظر فما زالت تطل من الثرى...........صور تكاد لحسنها تتكلم


    كن بلسماًكـن بـلـسماً إن صار دهرك أرقما................... وحـلاوة إن صـار غـيـرك عـلـقما
    إن الـحـيـاة حـبـتـك كـلَّ كـنـوزهـا................... لا تـبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..
    أحـسـنْ وإن لـم تـجـزَ حـتى بالثنا................... أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
    مَــنْ ذا يــكـافـئُ زهـرةً فـواحـةً ؟................... أو مـن يـثـيـبُ الـبـلـبل المترنما ؟
    يـاصـاحِ خُـذ عـلـم الـمـحبة عنهما................... إنـي وجـدتُ الـحـبَّ عـلـمـا قـيـمـا
    لـو لـم تَـفُـحْ هذي ، وهذا ما شدا،................... عـاشـتْ مـذمـمـةً وعـاش مـذمـمـا
    أيـقـظ شـعـورك بـالـمـحبة إن غفا................... لـولا الـشعور الناس كانوا كالدمى
    أحبب فيغدو الكوخ كونا نيرا................... وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما



    ابتســم

    قال : السماء كئيبة ، وتجهما قلت : ابتسم يكفي التجهم في السما

    قال : الصبا ولى فقلت له ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما

    قال : التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغرام جهنما

    خانت عهودي بعدما ملكتها قلبي فكيف أطيق أن أتبسما ؟

    قلت : ابتسم واطرب فلو قارنتها قضّيت عمرك كله متألما

    قال : التجارة في صراع هائل مثل المسافر كاد يقتله الظما

    أو غادة مسلولة محتاجة لدم وتنفث كلما لهثت دما

    قلت : ابتسم ما أنت جالب دائها وشفائها فإذا ابتسمت فربما ..

    أيكون غيرك مجرما وتبيت في وجل كأنك أنت صرت المجرما

    قال : العدى حولي علت صيحاتهم أأسر والأعداء حولي في الحمى ؟

    قلت : ابتسم لم يطلبوك بذمة لو لم تكن منهم أجل وأعظما

    قال : المواسم قد بدت أعلامها وتعرضت لي في الملابس والدمى

    وعلي للأحباب فرض لازم لكنّ كفي ليس تملك درهما

    قلت : ابتسم يكفيك أنك لم تزل حيا ولست من الأحبة معدما

    قال : الليالي جرعتني علقما قلت : ابتسم ولئن جرعت العلقما

    فلعل غيرك إن رآك مرنما طرح الكآبة جانبا وترنما

    أتراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما

    يا صاح لا خطر على شفتيك أن تتثلما والوجه أن يتحطما

    فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم ولذا نحب الأنجما

    قال : البشاشة ليس تسعد كائنا يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما

    قلت : ابتسم مادام بينك والردى شبر فإنك بعد لن تتبسما



    'من اشعاره قصيدة "أنا" وفيها يتكلم عن صفات الرجل المثالي'

    حرومذهب كل حـر مذهبي ماكنت بالـغاوي ولا المتعصبِ

    إني لأغضب للكريم ينوشه مَنْ دونَه واللوم مِن لم يغضب






     

     

    عشق الطبيعة


    لا أظـن أن شاعـراً أحـب الطبيعة أكـثر مما أحبـها أبو ماضي. لقد انعـكس جمالهـا في جمـال نفسـه, وصـفاء سمائـها في صفاء ألحانه, وانعكست عذوبة مائـها في عذوبة ألفـاظه ودقـة نواميسها في دقّـة ملاحظاتـه, وكأن الطبيـعة شعـرت بصدق حبـه لها, فباحـت لـه بأسـرار سحرهـا, وأباحـت له صوغها شعـراً.
    كان أبــو ماضـي يرى في كائنـات الطبيعة الأصدقـاء الأوفـياء له. إذ كان كلما بثّهم شكـواه يجد عـندهم آذاناً صاغية, وقلوبـاً مفتوحة واعية, وكثيراً ما كان يلتـقي بأصدقـائه هؤلاء إما في أماكنـهم المعتـادة في البرية, أو في منـزل أحـد الرفـاق والأقربـاء. وقد فُجعت عينـاه ذات يوم برؤية زهـرة مسجونـة في إناء في أحـد الصالونـات الفخـمة, فتألم أشد الألـم لدى رؤيتـها, لأنـه لم يكن باستطاعتـه أن يخلّصها من سجنـها وعذابها. فأنشد:

    "عمرك ما حزني لمال فقدته ولا خان عهدي في الحياة حبيب
    ولكنني أبكي وأندب زهرة جناها ولوع بالزهور طروب
    رآها يحلّ الفجر عقد جنونها ويلقي عليها تبره فيذوب"

    كان يـرى في الروابـي جـمالاً ومهابة, وفي خرير الجدول المنسـاب جذلاً وحبوراً, وفي المرج الخطيـب بشاشة وابتسامـة, وفي الوادي العميـق الأغـوار شعـوراً بالحزن والكآبـة, وكلما أرخـى اللـيل سدوله على الكائـنات, كانت عيـناه تبصـران ما فيها من جمـال. وقـد آل على نفـسه أن يكون رسـول الطبيعـة الى البشـر, ليدلهـم على مواطـن الجمـال فيهـا, وليحبـب إليهـم العيـش في أحضانـها والتـقرّب من كائنـاتها على غـرار ما دعـا إليه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
    فشاعرنـا يتأمل الطبيعة, ويـدرس مظاهرهـا, ويتتـبع أسرارهـا, شأنـه شأن كل شعراء الرابطة القلمية, فيخرج من دراسته وتأملاتـه بمقارنـات ومقابـلات وحكـم شتى, أهمـها أن الطبيعة صالحة تنفـع جميع البـشر, وتقدّم النفـع لهـم من دون أن تسأل, وهي لا تفرّق في تقديم نفعها بين إنسـان وآخـر, فيا ليـت الناس يقلدون الطبيعـة في العــطاء. ونجــد عنـد شاعرنــا نزعـة إنسانية خالصة, تسمـو على كل النزعـات, وروحـاً عالياً يفـوق كل الأرواح, إنـه يحـب الناس ويحـب الحياة التي أوجـدت الناس, ويدعوهـم الى محبتـها ففيـها كل الخـيـر والجـمـال.






     

     

    أبو ماضي والحب


    قبل زواجه اجتاز أبو ماضي عدداً من التجارب العاطفية القاسية, حيث كان يخرج منها في كل مرة صحيحاً سليماً, إلا تجربة واحدة فقط من بينها وهي تجربة كادت تصيب منه مقتلاً, جاعلة منه أحد الشعراء العشاق الكبار الباكين على فراق المحبوبة الظالمة, المتألمين من جراء صدّها المتعمد لهم.
    وقد ظل شاعرنا فترة غير قصيرة مصدّقاً ما قالته المحبوبة له. وهو يعيش أسعد أيامه, لأنه كان يقضيها بقربها, وفجأة وجدها تتخلى عنه, تاركة إياه يندب فراقها, فيقول:

    "إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي
    لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي".

    محبوبته هذه, جعلها عروسة قصيدته "الداليّة" وهي نفسها محبوبته هند التي جعلها عروسة قصيدته "الغابة المفقودة" حيث يحدثنا عن تلك الأيام العذبة الجميلة, والرحلات الخلوية الممتعة التي قام بها ومحبوبته الى تلك الغابات, قبل أن تصبح "في سوى يده" فيقول:

    "يا لهفة النفس على غابة كنت وهنداً نلتقي فيها
    أنا كما شاء الهوى والصبا وهي كما شاءت أمانيها
    نباغت الأزهار عند الضحى متكآت في نواحيها
    لله في الغابة أيامنا ما عابها إلا تلاشيها
    طوراً علينا ظل أدواحها وتارة عطف دواليها
    وتارة نلهو بأعنابها وتارة نحصي أقاحيها
    وإن تضاحكنا سمعنا الصدى يضحك معنا في أقاصيه"






     

     

    خصائصه الشعرية


    إذا أردنا أن نتـتبع خصائص شعر أبي ماضي منذ ارتبط بالرابطة القلمية, فإننا سنجد الكثير من مميزاتها عنده, فهناك الشعر التأملي الروحي الذي يغلب على مقطوعاته في ديوانه الجداول من مثل: الناسكة, نار القرى, الزمان. وغيرها. وأصبحت المادة لا تعني شاعرنا بكثير أو قليل, فهو شاعر يعيش بالروح ويهتم بالنفس.

    تقسم مسيرة أبي ماضي الشعرية الى قسمين: قسم ما قبل الهجرة, وفيه لم يكن لشعره خصائص مميزة, والقسم الثاني ما بعد الهجرة, وفيه أظهر شاعريته الناضجة فكرياً, والمتحررة أسلوباً. وأهم ما نلاحظه في شعره هذا, الأسلوب الحواري, إذ نراه يخاطب أناساً يعرفهم ويأخذ منهم ويأخذون منه, كل ذلك في شعر متماسك موسيقي عذب ذي هدف.






     

     

    إيليا أبو ماضي .. أنشودة التفاؤل!


    عالمٌ جديدٌ فسيح للثقافة العربية، أنشأه الأدباء المهاجرون في موطنهم الجديد البعيد .. لذا نقابل اليوم فارسًا من أدباء المهجر، وشاعرًا ممن تربعوا على قمة الشعر العربي في هذه البلاد .. إنه شاعر الأمل والتفاؤل "إيليا أبي ماضي".. هذا الشاعر الكبير الذي حملت قصائده روح الشرق وهمومه، وهو في أقصى الغرب، وكأنه شجرة أرزٍ لبنانية غُرست على ضفاف الميسيسيبي.

    إيليا أبي ماضي هذا الشاعر الغزير الإنتاج، الذي خلَّف لنا عدة دواوين شعر تذخر بالمشاعر الوجدانية، وتفيض بالأحاسيس الرقيقة الراقية.. وأهم هذه الدواوين "تذكار الماضي"، و"الجداول"، و"الخمائل" .. و"تبرٌ وتراب".. كانت هذه الإبداعات نتاج فتراتٍ زمانية متعاقبة .. ومحطاتٍ مكانية متنوعة في حياة شاعرنا، من جبال لبنان إلى شواطئ الإسكندرية، إلى طرقات نيويورك.. ولكنه لم يَنْسَ قط الشرق العزيز، ولبنان الحبيب الذي قال عنه أبو ماضي:

    لُبنانُ والأمــلُ الذي لذويــهِ والشِّعرُ قال بنيتُ عرشــي فيهِ

    وتحبُّهُ والثلجُ فــي واديـــهِ بقــلائد العقيان تستغويـــهِ

    بالأنجم الزهـــراءِ تسترضيهِ حتـــى أعودَ إليه أرضَ التيهِ

    اثنـــان أعيا الدهرَ أن يُبليهما سألوا الجمـالَ فقال هذا هيكلي

    تشتاقُهُ والصــيفُ فوق هضابه وإذا تمدُّ له ذُكــاء حبالــها

    وإذا تُنَقِّطُهُ السمـــاءُ عشيـةً وطني ستبقى الأرضُ عندي كلها

    وكما غنَّى أبي ماضي لوطنه الأول لبنان، فقد غنى لوطنه الثاني مصر التي كان لها في نفسه أثرٌ كبير .. فقد وجد فيها الرزق والعلم.. وخطت فيها أولى خطواته على طريق الأدب.. لذلك قال في حبها:

    بروحــي وما ملكته يدي ويمشي الفناءُ إلـى الجلمدِ

    فكم بي في الناس من مُقتدِ أيا مصــرُ أفديك بالأنفسين

    أحبك حتى تجف البحـــار وما أنا وحدي المحبُ الأمينُ

    وشعر أبي ماضي يزخر بالأمل والتفاؤل، ويرد على من يدعي أن ظروف الحياة حولنا قد تدعو للتشاؤم؛ إذ يقول:

    قلتُ ابتسم يكفي التجهمُ في السما قال السمــــاءُ كئيبةٌ وتجهمـا

    لن يُرجع الأسف الصبا المتصرما قال الصبا ولَّـــى فقلتُ له ابتسم

    صارت لنفسـي في الغرام جهنما قال التي كانت سمــائي في الهوى

    قلبي فكيف أُطيقُ أن أتبسمــا؟ خــــانت عهودي بعد ما ملَّكْتُها

    قضَّيتَ عمـــركَ كلــه متألما قلتُ ابتسم واطـــرب فلو قارنتها

    يأتي إلــى الدنيا ويذهبُ مرغما قال البشـــاشةُ ليس تُسعد كائنًا

    شبرٌ فإنك بعــدُ لــن تتبسمـا قلت ابتســم ما دام بينك والـردى

    متلاطــمٌ ولذا نُحــبُّ الأنجما فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى

    وأبي ماضي عاشق للحياة وجمالها رافض للشكوى والتبرم من عنائها، يقول لمن يضيق بهذا العناء المتجاهل للجمال من حوله:

    كيف تغــدو إذا غدوت عليلا أيا هذا الشــاكي وما بك داءٌ

    تتوقــى قبل الرحيل الرحيلا إن شر الجُناة في الأرضِ نفسٌ

    أن تــرى فوقها الندى إكليلا وترى الشوك في الورود وتعمى

    من يظــن الحياة عبئًا ثقيلا هو عبءٌ علـــى الحياة ثقيلٌ

    لا يرى في الوجود شيئًا جميلا والذي نفســـه بغير جمـالٍ

    لا تخـف أن يزول حتى تزولا فتمتع بالصبــح مـا دمتَ فيهِ

    كما أنه عاشق متيم للطبيعة، ولعل هذا العشق هو سر تفاؤله فهاهو يتحدث عن الطبيعة حديث الصب المدله :

    سرَّ اللطافة في النسيم الساري يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى

    في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري وأَجسَّ مؤتلق الجمـالِ بأصبعي

    والسرَّ في جذلِ الغدير الجاري ويبين لـي كنهَ المهابة في الربى

    الـوادي الكئيبِ وصولة التيارِ وبشاشة المرجِ الخصيبِ ووحشة

    ويرافقه حب الطبيعة إلى مهجره في أمريكا، فيرسم صورةً بديعة لشلال ميلفيرد الشهير لا تخلو من شوق وتحنان لبلاده؛ إذ يقول في أبيات يذكرنا نظمها بالشعراء العباسيين:

    وأنا لشــوقي لا يقر قراري شـلال "ميلفيرد" لا يقر قرارُهُ

    وله ضجيــج الجحفل الجرارِ فيه من السيف الصقيل بريقه

    أتراه يغسلها مـــن الأوزارِ أبداً يرشُ صخـوره بدموعه

    أبصرتَ حول السفح شبه غُبارِ فإذا تطـاير مـــاؤه متناثرًا

    ويصولُ كالضرغامِ ذي الأظفارِ كالبحر ذي التيارِ يدفعُ بعضهُ

    ولكن هذا العاشق للطبيعة والجمال والأمل .. يبدو أنه لاقى العناء في الحب .. إذ يصفه بقوله:

    فقلتُ الردى والخوفَ في البعدِ والقربِ وقائلةٍ ماذا لقيتَ مـــن الحُبِّ

    شمـــائلَ غُرًا لا تُنال بلا حـــبِ فقالت عهدت الحـبَّ يكسب ربَّه

    نفــور المها راءً فأمسيتُ فيحربِ فقلت لها قد كــان حبًّا فزاده

    فلما عرفتُ الحــبَ صـرتُ بلا قلبِ وقد كان لي قلبٌ وكنت بلا هوى

    وإذا كان شاعرنا قد وجد الشقاء في الحب، فأين يجد السعادة إذن؟

    كالفلك في النهر هاج النوءُ مجراهُ مرت ليالٍ وقلبي حــائرٌ قلقٌ

    أضنــى المسيرُ مطاياهُ وأضناهُ أو كالمسافر في قفرٍ على ظمأٍ

    وأبلغُ الأمــرَ نفسي ليس تهواهُ لا أدرك الأمر أهـواهُ وأطلبه

    عانٍ فأنت امرؤٌ في قلبــك الله ما دام قلبُــك فيه رحمةٌ لأخٍ

    ولكن موقف أبي ماضي من الغرام وتباريحه لا ينعكس على رؤياه للحب بمعناه الرحيب الذي يحرص على إشاعته بين البشر، فيقول :

    وابغض فيمسي الكونُ سجنًا مُظلما أحبب فيغدو الكــوخُ لونًا نيرًا

    والمرءُ لــولا الحــبُ إلا أعظما ما الكأسُ لولا الخمرُ غير زجاجةٍ

    زهرًا وصــار سرابُها الخداعُ ما لو تعشـقُ البيداءُ أصبح رملها

    ورآهُ ذو جهــلٍ فظــنَّ ورَجَّما لاح الجمالُ لذي نهــى فأحبه

    المــرءُ ليس يُحبُّ حتـى يفهما لا تطلبــن محبةً مـن جاهلٍ

    ولا يعني ما سقناه من أشعار أن إيليا كان بمعزلٍ عن قضايا أمته السياسية والاجتماعية، فعندما كان في مصر وجد فيها مُستعمرا غاشما وحُكاما طغاة، يواجههم شعبٌ مطحون وثوارٌ مخلصون .. فوجد لزامًا عليه أن ينخرط في صفوفهم ويسهم بشعره في نضالهم.. فقال:

    أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما

    هاجـه العابثُ بالحـق فلاما لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً

    نقـرئ النيل التحايا والسلاما وقفا في شاطـئ النيل معي

    منعوهـا مــاءَهُ إلا لمامـا وأناجيه أمانــي أمــةٍ

    بيننا تجمــع مصرًا والشآما لستُ مصـريًا ولكن نسبةً

    مثلما يرتقبُ الصادي الغماما أمـةٌ ترتقـبُ استقـلالها

    وعندما وجد الظلم الاجتماعي يسحق ملايين الكادحين البسطاء ليثري طبقة مسيطرة تحميها السلطة الظالمة، صرخ بوجههم قائلا:

    وإن ملأ السكك الجائعونْ كلوا واشربوا أيها الأغنياء

    تُعلمهم كيف فتك المنونْ مُروا فتصولُ الجنودُ عليهم

    سُراةُ البلاد فمن يحرسونْ إذا الجند لم يحرسوكم وأنتم

    فيا ليت شعريَ من يقتلونْ وإن هم لم يقتلـوا الأشقياء

    فإنهمُ للـردى يولــدونْ ولا يحــزننكمُ مــوتُهمْ

    وإن قـدر الله شيئًا يكونْ وقولوا كذا قــد أراد الإله

    ولكن مهما تلبدت السماء بالغيوم التي تحيل ضوءها ظلامًا، تعود أبيات قصائده لتحوم في رحاب الأمل الفسيح والأحلام الوردية:

    وابسمي كالنجمِ إن جنَّ المساءْ ابسمي كالورد في فجر الصباء

    وإذا ما تسترُ الغيــمُ السماءْ وإذا ما كفـــن الثلجُ الثرى

    وتوارى النورُ في كهفِ الشتاءْ وتعـرى الروضُ من أزهاره

    تخلقــي حولك زهرًا وشذاءْ فاحلمـي بالصيفِ ثم ابتسمي

    فهو هكذا دائمًا يجد في الطبيعة كنزًا شائع الملكية ومنجمًا للأمل والتفاؤل وبلسمًا لجراح المعذبين الذين يعاتبهم بقوله:

    والأرضُ ملكُكَ والسما والأنجمُ كــم تشتكي وتقــول إنك معدمٌ

    ونسيمــها والبلبلُ المُتـرنمُ ولــك الحقـول وزهرُها وأريجها

    دورًا مزخــرفةً وحينًا يهدمُ والنور يبني في السفوح وفي الذرى

    آياتــه قُدَّام مــن يتعلـمُ فكأنه الفنــنُ يعرض عــــابثًا

    بحرٌ تعومُ به الطيورُ الحوَّمُ وكأنــه لِصفائــِهِ وسنـــائِهِ

    وتبسمـــت فعلام لا تتبسمُ هشــت لك الدنيا فمـا لك واجمًا

    لقد كان إيليا أبي ماضي شاعرًا صاحب رسالة يقول في وصف شعره ورسالته:

    مالي وللتشبيبِ بالصهبــاءِ أنا مـا وقفتُ لكــي أُشبب بالطلا

    إني نبذتُ سفاسـف الشعراءِ لا تسألوني المدح أو وصف الدُمى

    مدحًا وبتُّ أصون ماءَ حيائي باعـــوا لأجل المالِ ماءَ حيائهم

    قـد بات واسطةً إلى الإثراءِ لم يفهمــوا بالشعــر إلا أنـه

    أهم الأعمال دواوين: (تذكار الماضي)، (إيليا أبو ماضي)، (الجداول)، (الخمائل)، (تبر وتراب).











     

     

    وفاته


    توفي في نيويورك سنة 1958م


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()