بتـــــاريخ : 7/22/2008 8:06:35 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1226 0


    الزواج بذرة الوجود الإنسانى

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : صلاح الدين عبد العظيم السرسى | المصدر : www.almostshar.com

    كلمات مفتاحية  :
    اسرة رجل امراة المتزوجين


    الزواج بذرة الوجود الإنسانى .

     

    د. صلاح الدين عبد العظيم السرسى .

     خلق الله سبحانه وتعالى آدم أولا ، هذا هو الثابت في كل الكتب السماوية ، ورغم أن النظرة المتعالمة ترفض هذه الفرضية فإن الاحتمالات التي تفترضها أكثر غرابة إن لم تكن أقرب للأساطير والخرافات منها للعلم . لذلك يرتاح الضمير العلمي لما أوردته الكتب السماوية في هذا الشأن ، باعتباره الأقرب للتفسير العلمي من تلك الفرضيات التي نشأت عن نظرية النشوء والارتقاء سواء كان أول من قال بها ابن خلدون كما ذكرنا في المقالة الأولى أو كان دارون .


    أخبر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة في الأرض - وخليفة هنا تعني على رأس ذرية يخلف بعضها بعضا. فقال الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) .


    جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة - ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت له رائحة.. من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة..


    أما خلق حواء.فقد اختلفت فيه آراء المفسرين ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في نفس وقت خلق آدم أم بعده لكننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أسكنهما معا في الجنة. وأن كلاهما مكمل للآخر ، وسكن له ، ليس ثمة تواجد بعد خلق آدم بيد الخالق العظيم للبشر إلا من خلال هذا السكن وهذا التكامل ، بل قل هذا التوحد المكون من عنصرين ، غياب أحدهما يعنى بالضرورة غياب الآخر . ويخاطب المولى عز وجل الرجال بقوله : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" البقرة الآية 187.

     

     النساء لباس لكم وأنتم لباس لهن.. العلاقة الزوجية مباشرة.. العلاقة الزوجية إفضاء بعضكم إلى بعض. اذا تأملنا هذه الصور التي أوردها الله في كتابه العزيز سنجد المعنى والمغزى من الزواج كأجمل وأرقى وأسمى ما يمكن أن تعبر عنه الحروف والكلمات والجمل فضلا عن الصور الراقية التي لا يستطيع سوى الخالق رسمها وتشكيلها .
    أما التعبير الآخر الذي أتى به القرآن والذي لا نجد تعبيرا أبدع ولا أشمل منه ولا أعمق منه في سياق موجه للرجال يشأن علاقتهم بنسائهم : "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم" سورة البقرة الآية 223.


    هذا المعنى الشامل في عمقه والعميق في شموليته هو ما يغيب عن الأذهان الآن ، العلاقة في الزواج الذي شرعه الله كأقوى علاقة اجتماعية بين الرجل والمرأة ، الوحدة الاجتماعية التي تجمع بين الرجل والمرأة ليضعان معا أساس الأسرة هذه المؤسسة الاجتماعية التي من خلالها شرع الخالق العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في ظل ما شرعه الدين الحنيف وأقر به المجتمع والتي تستمر زمنيا لتؤتى ثمارها في إنجاب الأطفال أحد أهم عنصرين في زينة الدنيا . هذه العلاقة النفسية الاجتماعية الشرعية التي تتم بين رجل وامرأة لكل منهما حقوق وعليه واجبات كل منهما تجاه الآخر ثم تجاه أطفالهما فيما بعد ، وكلما استقامت هذه العلاقة نما الزواج واستقرت الأسرة . كما أن هذه العلاقة الزواجية تمثل أهم مصدر للرضا النفسي للفرد وتقوم على الأخذ والعطاء المتبادل ، ويحقق للفرد ذاتيته ويقلل من توتره ويحد من قلقه.


    (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ ))


    بين الله سبحانه وتَعَالَى الدَّلِيل عَلَى قُدْرَته عَلَى الْمَعَاد بِمَا يُشَاهَد مِنْ بَدْئِهِ لِلْخَلْقِ فَقَالَ " يَا أَيّهَا النَّاس إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب " أَيْ فِي شَكّ " مِنْ الْبَعْث " وَهُوَ الْمَعَاد وَقِيَام الْأَرْوَاح وَالْأَجْسَاد يَوْم الْقِيَامَة " فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَاب " أَيْ أَصْل بُرْئِهِ لَكُمْ مِنْ تُرَاب وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام " ثُمَّ مِنْ نُطْفَة " أَيْ ثُمَّ جَعَلَ نَسْله مِنْ سُلَالَة مِنْ نطفة تحتوى على حيوان منوي من الرجل يسعى بقدرة الخالق لاختراق بويضة الأنثى ليتم التخصيب ويتكون المشج الذي هو عبارة عن البويضة المخصبة لتبدأ في الانقسام والنمو

     

     لتصبح عَلَقَة تعلق بجدار قناة فالوب في طريق رحلتها للرحم مُضْغَة قِطْعَة مِنْ لَحْم لَا شَكْل فِيهَا وَلَا تَخْطِيط ثُمَّ يُشْرَع فِي التَّشْكِيل وَالتَّخْطِيط فَيُصَوَّر مِنْهَا رَأْس وَيَدَانِ وَصَدْر وَبَطْن وَفَخِذَانِ وَرِجْلَانِ وَسَائِر الْأَعْضَاء فَتَارَة تُسْقِطهَا الْمَرْأَة قَبْل التَّشْكِيل وَالتَّخْطِيط وَتَارَة تُلْقِيهَا وَقَدْ صَارَتْ ذَات شَكْل وَتَخْطِيط وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ مِنْ مُضْغَة مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة " أَيْ كَمَا تُشَاهِدُونَهَا " لِنُبَيِّن لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى " أَيْ وَتَارَة تَسْتَقِرّ فِي الرَّحِم لَا تُلْقِيهَا الْمَرْأَة وَلَا تُسْقِطهَا وَيسويها اللَّه عَزَّ وَجَلَّ

     

     مِنْ حُسْن وَقُبْح وَذَكَر وَأُنْثَى كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث الْأَعْمَش عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِق الْمَصْدُوق " إِنَّ خَلْق أَحَدكُمْ يُجْمَع فِي بَطْن أُمّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثُمَّ يَكُون عَلَقَة مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ يَكُون مُضْغَة مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَث اللَّه إِلَيْهِ الْمَلَك فَيُؤْمَر بِأَرْبَعِ كَلِمَات فَيَكْتُب رِزْقه وَعَمَله وَأَجَله وَشَقِيّ أَوْ سَعِيد ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ الرُّوح " وَقَوْله " ثُمَّ نُخْرِجكُمْ طِفْلًا " أَيْ ضَعِيفًا فِي بَدَنه وَسَمْعه وَبَصَره وَحَوَاسّه وَبَطْشه وَعَقْله ثُمَّ يُعْطِيه اللَّه الْقُوَّة شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَلْطُف بِهِ وَيُحَنِّن عَلَيْهِ وَالِدَيْهِ فِي آنَاء اللَّيْل وَأَطْرَاف النَّهَار وَلِهَذَا قَالَ " ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدّكُمْ " أَيْ يَتَكَامَل الْقُوَى وَيَتَزَايَد وَيَصِل إِلَى عُنْفُوَان الشَّبَاب وَحُسْن الْمَنْظَر " وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى "

     

     أَيْ فِي حَال شَبَابه وَقُوَاهُ " وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر " وَهُوَ الشَّيْخُوخَة وَالْهَرَم وَضَعْف الْقُوَّة وَالْعَقْل وَالْفَهْم وَتَنَاقُص الْأَحْوَال مِنْ الْخَوْف وَضَعْف الْفِكْر وَلِهَذَا قَالَ " لِكَيْ لَا يَعْلَم مِنْ بَعْد عِلْم شَيْئًا " كَمَا قَالَ تَعَالَى " اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعْف قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد قُوَّة ضَعْفًا وَشَيْبَة يَخْلُق مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير "


    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
    يُنَبِّه تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ جَمِيع النَّاس مِنْ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنَّهُ خَلَقَ مِنْهُ زَوْجَته حَوَّاء ثُمَّ اِنْتَشَرَ النَّاس مِنْهُمَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ " وَقَالَ تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا " الْآيَة وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة"

     

     وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا لِيَسْكُن إِلَيْهَا " أَيْ لِيَأْلَفهَا وَيَسْكُن بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمِنْ آيَاته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنكُمْ مَوَدَّة وَرَحْمَة " فَلَا أُلْفَة بَيْن رُوحَيْنِ أَعْظَم مِمَّا بَيْن الزَّوْجَيْنِ " فَلَمَّا تَغَشَّاهَا " أَيْ وَطِئَهَا " حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا" وَذَلِكَ أَوَّل الْحَمْل لَا تَجِد الْمَرْأَة لَهُ أَلَمًا إِنَّمَا هِيَ النُّطْفَة ثُمَّ الْعَلَقَة ثُمَّ الْمُضْغَة وَقَوْله " فَمَرَّتْ بِهِ تعنى فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ أو " اِسْتَبَانَ حَمْلهَا فلما شعرت بالجنين يتحرك في فِي بَطْنهَا " دَعَوَا اللَّه رَبّهمَا لَئِنْ آتَيْتنَا صَالِحًا " أَيْ بَشَرًا سَوِيًّا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ .


    هل نجد أبدع من هذا البيان في توصيف التوافق الزواجى وهل يمكن لبشر أن يعبر عن هذه الحالة المغرقة في إنسانيتها بأفضل مما يعبر عنه القرآن الكريم ، التوافق الزواجى الذي هو استعداد للحياة الزوجية والحب والسكن بكل ما تعنيه كلمة السكن من طمأنينة وسكينة وشعور بالأمان والحب المتبادل والإشباع الجنسي والانسجام بين الزوج وزوجه وإشباع حاجاتهما الجنسية والعاطفية والاجتماعية التي تنعكس في حالة الرضا التي تتضمنها هذه العلاقة المقدسة ، وللحديث بقية نحاول استكمال رسم صورتها التقريبية في الأسبوع القادم بإذن الله وتوفيقه .
     

     

     


    المصدر : معا لبر الأمان .
     

    كلمات مفتاحية  :
    اسرة رجل امراة المتزوجين

    تعليقات الزوار ()