بتـــــاريخ : 11/8/2009 5:27:57 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1231 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 256

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { لا إكراه في الدين } . اختلف أهل التأويل في معنى ذلك , فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار , أو في رجل منهم كان لهم أولاد قد هودوهم أو نصروهم ; فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه , فنهاهم الله عن ذلك , حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام . ذكر من قال ذلك : 4535 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : كانت المرأة تكون مقلاتا , فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده ; فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار , فقالوا : لا ندع أبناءنا ! فأنزل الله تعالى ذكره : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } . 4536 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا سعيد , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , قال : كانت المرأة تكون مقلى ولا يعيش لها ولد - قال شعبة : وإنما هو مقلات - , فتجعل عليها إن بقي لها ولد لتهودنه . قال : فلما أجليت بنو النضير كان فيهم منهم , فقالت الأنصار : كيف نصنع بأبنائنا ؟ فنزلت هذه الآية : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : من شاء أن يقيم أقام ومن شاء أن يذهب ذهب . 4537 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا داود , وحدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن داود , عن عامر , قال : كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتا لا يعيش لها ولد , فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم . فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم , فقالوا : إنما جعلناهم على دينهم , ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا , وإذ جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم ! فنزلت : { لا إكراه في الدين } فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام , فمن لحق بهم اختار اليهودية , ومن أقام اختار الإسلام . ولفظ الحديث لحميد . 4538 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا معتمر بن سليمان , قال : سمعت داود , عن عامر , بنحو معناه , إلا أنه قال : فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير , فلحق بهم من كان يهوديا ولم يسلم منهم , وبقي من أسلم . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عامر بنحوه , إلا أنه قال : إجلاء النضير إلى خيبر , فمن اختار الإسلام أقام , ومن كره لحق بخيبر . 4539 - حدثني ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن أبي إسحاق , عن محمد بن أبي محمد الحرشي مولى زيد بن ثابت عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قوله : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين ; كان له ابنان نصرانيان , وكان هو رجلا مسلما , فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله فيه ذلك . 4540 - حدثني المثنى قال : ثنا حجاج بن المنهال , قال : ثنا أبو عوانة , عن أبي بشر , قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : نزلت هذه في الأنصار . قال : قلت خاصة , قال : خاصة . قال : كانت المرأة في الجاهلية تنذر إن ولدت ولدا أن تجعله في اليهود تلتمس بذلك طول بقائه . قال : فجاء الإسلام وفيهم منهم ; فلما أجليت النضير , قالوا : يا رسول الله , أبناؤنا وإخواننا فيهم , قال : فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله تعالى ذكره : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد خير أصحابكم , فإن اختاروكم فهم منكم , وإن اختاروهم فهم منهم " قال : فأجلوهم معهم . 4541 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } إلى : { لا انفصام لها } قال : نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين : كان له ابنان , فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت ; فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين , فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا , فرجعا إلى الشام معهم . فأتى أبوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : إن ابني تنصرا وخرجا , فاطلبهما ؟ فقال : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب . وقال : " أبعدهما الله ! هما أول من كفر " . فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما , فنزلت : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } 4 65 ثم إنه نسخ : { لا إكراه في الدين } فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة . 4542 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { لا إكراه في الدين } قال : كانت في اليهود يهود أرضعوا رجالا من الأوس , فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم , قال أبناؤهم من الأوس : لأذهبن معهم , ولأدينن بدينهم ! فمنعهم أهلوهم , وأكرهوهم على الإسلام , ففيهم نزلت هذه الآية . 4543 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد جميعا , عن سفيان , عن صيف , عن مجاهد : { لا إكراه في الدين } قال : كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة , فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام , فنزلت : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني الحجاج , عن ابن جريج , قال : قال مجاهد : كانت النضير يهودا فأرضعوا . ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو , عن أبي عاصم . قال ابن جريج : وأخبرني عبد الكريم , عن مجاهد أنهم كانوا قد دان بدينهم أبناء الأوس , دانوا بدين النضير . 4544 - حدثني المثنى , قال : لنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن داود بن أبي هند , عن الشعبي : أن المرأة من الأنصار كانت تنذر إن عاش ولدها لتجعلنه في أهل الكتاب فلما جاء الإسلام قالت الأنصار : يا رسول الله ألا نكره أولادنا الذين هم في يهود على الإسلام , فإنا إنما جعلناهم فيها ونحن نرى أن اليهودية أفضل الأديان ؟ فلما إذ جاء الله بالإسلام , أفلا نكرههم على الإسلام ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } . * - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن داود , عن الشعبي مثله , وزاد : قال : كان فصل ما بين من اختار اليهود منهم وبين من اختار الإسلام , إجلاء بني النضير ; فمن خرج مع بني النضير كان منهم , ومن تركهم اختار الإسلام . 4545 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { لا إكراه في الدين } إلى قوله : { العروة الوثقى } قال : قال منسوخ . 4546 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , ووائل , عن الحسن : أن أناسا من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير , فلما أجلوا , أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم , فنزلت : { لا إكراه في الدين } . وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يكره أهل الكتاب على الدين إذا بذلوا الجزية , ولكنهم يقرون على دينهم . وقالوا : الآية في خاص من الكفار , ولم ينس منها شيء . ذكر من قال ذلك : 4547 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : أكره عليه هذا الحي من العرب , لأنهم كانوا أمة أميه , ليس لهم كتاب يعرفونه , فلم يقبل منهم غير الإسلام , ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج , ولم يفتنوا عن دينهم , فيخلى عنهم . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا سليمان قال : ثنا أبو هلال , قال : ثنا قتادة في قوله , { لا إكراه في الدين } قال : هو هذا الحي من العرب أكرهوا على الدين , لم يقبل منهم إلا القتل أو الإسلام , وأهل الكتاب قبلت منهم الجزية ولم يقتلوا . 4548 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا الحكم بن بشير , قال : ثنا عمرو بن قيس , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { لا إكراه في الدين } قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان , فلم يقبل منهم إلا " لا إله إلا الله " , أو السيف . ثم أمر فيمن سواهم بأن يقبل منهم الجزية ; فقال : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا إكراه في الدين } قال : كانت العرب ليس لها دين , فكرهوا على الدين بالسيف , قال , ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية . 4549 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , قال : سمعت مجاهدا يقول لغلام له نصراني : يا جرير أسلم ! ثم قال : هكذا كان يقال لهم . 4550 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : وذلك لما دخل الناس في الإسلام , وأعطى أهل الكتاب الجزية . وقال آخرون : هذه الآية منسوخة , وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال . ذكر من قال ذلك : 4551 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال : سألت زيد بن أسلم عن قول الله تعالى ذكره : { لا إكراه في الدين } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين , فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم , فاستأذن الله في قتالهم , فأذن له . وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في خاص من الناس , قال : عنى بقوله تعالى ذكره : { لا إكراه في الدين } أهل الكتابين والمجوس , وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق , وأخذ الجزية منه . وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا . وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب لما قد دللنا عليه في كتابنا كتاب اللطيف من البيان عن أصول الأحكام " من أن الناسخ غير كائن ناسخا إلا ما نفى حكم المنسوخ , فلم يجز اجتماعهما . فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص , فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل . وإذ كان ذلك كذلك , وكان غير مستحيل أن يقال : لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين , ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك , وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوما , فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام , وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه , وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب , وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم , وأنه ترك إكراه الآخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه , وإقراره على دينه الباطل , وذلك كأهل الكتابين , ومن أشبههم ; كان بينا بذلك أن معنى قوله : { لا إكراه في الدين } إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية , ورضاه بحكم الإسلام . ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة . فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس وعمن روي عنه : من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام ؟ قلنا : ذلك غير مدفوعة صحته , ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر , ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه . فالذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر ابن عباس وغيره , إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم , فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام , وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها , وإقرارهم عليها على النحو الذي قلنا في ذلك . ومعنى قوله : { لا إكراه في الدين } لا يكره أحد في دين الإسلام عليه , وإنما أدلت الألف واللام في الدين تعريفا للدين الذي عنى الله بقوله : لا إكراه فيه , وأنه هو الإسلام . وقد يحتمل أن يكون أدخلتا عقيبا من الهاء المنوية في الدين , فيكون معنى الكلام حينئذ : وهو العلي العظيم لا إكراه في دينه , قد تبين الرشد من الغي . وكأن هذا القول أشبه بتأويل الآية عندي .

    قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ

    وأما قوله : { قد تبين الرشد } فإنه مصدر من قول القائل : رشدت فأنا أرشد رشدا ورشدا ورشادا , وذلك إذا أصاب الحق والصواب . وأما الغي , فإنه مصدر من قول القائل : قد غوى فلان فهو يغوي غيا وغواية . وبعض العرب يقول : غوى فلان يغوى . والذي عليه قراءة القراء : { ما ضل صاحبكم وما غوى } 53 2 الفتح , وهي أفصح اللغتين , وذلك إذا عدا الحق وتجاوزه فضل . فتأويل الكلام إذا : قد وضح الحق من الباطل , واستبان لطالب الحق والرشاد وجه مطلبه , فتميز من الضلالة والغواية , فلا تكرهوا من أهل الكتابين , ومن أبحت لكم أخذ الجزية منه , على دينكم , دين الحق ; فإن من حاد عن الرشاد بعد استبانته له , فإلى ربه أمره , وهو ولي عقوبته في معاده .

    فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله } . اختلف أهل التأويل في معنى الطاغوت , فقال بعضهم : هو الشيطان . ذكر من قال ذلك : 4552 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن حسان بن فائد العبسي قال : قال عمر بن الخطاب : الطاغوت : الشيطان . * - حدثني محمد بن المثنى , قال : ثني ابن أبي عدي , عن شعبة , عن أبي إسحاق , عن حسان بن فائد , عن عمر , مثله . 4553 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك , عمن حدثه , عن مجاهد , قال : الطاغوت : الشيطان . 4554 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا زكريا , عن الشعبي , قال : الطاغوت : الشيطان . 4555 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { فمن يكفر بالطاغوت } قال : الشيطان . 4556 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : الطاغوت : الشيطان . 4557 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { فمن كفر بالطاغوت } بالشيطان . وقال آخرون : الطاغوت : هو الساحر . ذكر من قال ذلك : 4558 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى قال : ثنا داود , عن أبي العالية , أنه قال : الطاغوت : الساحر . وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية , وأنا أذكر الخلاف بعد . 4559 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا عوف , عن محمد , قال : الطاغوت : الساحر . وقال آخرون : بل الطاغوت : هو الكاهن . ذكر من قال ذلك : 4560 - حدثني ابن بشار , قال : حدثنا محمد بن جعفر , قال : حدثنا سعيد , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , قال : الطاغوت : الكاهن . 4561 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن رفيع , قال : الطاغوت : الكاهن . 4562 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج : { فمن يكفر بالطاغوت } قال : كهان تنزل عليها شياطين يلقون على ألسنتهم وقلوبهم . أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله , أنه سمعه يقول : وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها , فقال : كان في جهينة واحد , وفي أسلم واحد , وفي كل حي واحد , وهي كهان ينزل عليها الشيطان . والصواب من القول عندي في الطاغوت : أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه , إما بقهر منه لمن عبده , وإما بطاعة ممن عبده له , وإنسانا كان ذلك المعبود , أو شيطانا , أو وثنا , أو صنما , أو كائنا ما كان من شيء . وأرى أن أصل الطاغوت : الطغووت , من قول القائل : طغى فلان يطغو : إذا عدا قدره فتجاوز حده , كالجبروت من التجبر , والخلبوت من الخلب , ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير فعلوت بزيادة الواو والتاء . ثم نقلت لامه أعني لام الطغووت , فجعلت له عينا , وحولت عينه فجعلت مكان لامه , كما قيل جذب وجبذ وجابذ وجاذب وصاعقة وصاقعه , وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال . فتأويل الكلام إذا : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله فيكفر به ; { ويؤمن بالله } يقول : ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده , { فقد استمسك بالعروة الوثقى } يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه . كما : 4563 - حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي , قال : ثنا بقية بن الوليد , قال : ثنا ابن أبي مريم , عن حميد بن عقبة , عن أبي الدرداء : أنه عاد مريضا من جيرته فوجده في السوق وهو يغرغر لا يفقهون ما يريد , فسألهم : يريد أن ينطق ؟ قالوا : نعم يريد أن يقول : آمنت بالله وكفرت بالطاغوت . قال أبو الدرداء : وما علمكم بذلك ؟ قالوا : لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه , فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها . فقال أبو الدرداء : أفلح صاحبكم , إن الله يقول : { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } .

    فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى

    القول في تأويل قوله تعالى : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } والعروة في هذا المكان مثل للإيمان الذي اعتصم به المؤمن , فشبهه في تعلقه به وتمسكه به بالمتمسك بعروة الشيء الذي له عروة يتمسك بها , إذ كان كل ذي عروة فإنما يتعلق من أراده بعروته . وجعل تعالى ذكره الإيمان الذي تمسك به الكافر بالطاغوت المؤمن بالله ومن أوثق عرى الأشياء بقوله : { الوثقى } والوثقى : " فعلى " من الوثاقة , يقال في الذكر : هو الأوثق , وفي الأنثى : هي الوثقى , كما يقال فلان الأفضل وفلانة الفضلى . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4564 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { بالعروة الوثقى } قال : الإيمان . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4565 - حدثني موسى , قال : حدثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : العروة الوثقى : هو الإسلام . 4566 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن أبي السوداء , عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير قوله : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } قال : لا إله إلا الله . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي السوداء النهدي , عن سعيد بن جبير مثله . 4567 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , الضحاك : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } مثله .

    لَا انْفِصَامَ لَهَا

    القول في تأويل قوله تعالى : { لا انفصام لها } يعني تعالى ذكره بقوله : { لا انفصام لها } لا انكسار لها , والهاء والألف في قوله لها عائد على العروة . ومعنى الكلام : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله , فقد اعتصم من طاعة الله بما لا يخشى مع اعتصامه خذلانه إياه - وإسلامه عند حاجته إليه في أهوال الآخرة , كالمتمسك بالوثيق من عرى الأشياء التي لا يخشى انكسار عراها . وأصل الفصم : الكسر , ومنه قول أعشى بني ثعلبة : ومبسمها عن شتيت النبا ت غير أكس ولا منفصم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4568 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله { لا انفصام لها } قال : لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4569 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { لا انفصام لها } قال : لا انقطاع لها .

    وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

    القول في تأويل قوله تعالى : { والله سميع عليم } يعني تعالى ذكره : والله سميع إيمان المؤمن بالله وحده , الكافر بالطاغوت عند إقراره بوحدانية الله , وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله , عليم بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبيته قلبه , وما انطوى عليه من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت ضميره , وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه لا ينكتم عنه سر , ولا يخفى عليه أمر , حتى يجازي كلا يوم القيامة بما نطق به لسانه , وأضمرته نفسه , إن خيرا فخيرا , وإن شرا فشرا .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()