وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ
 القول في تأويل قوله تعالى :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله }  يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم  { حتى لا تكون فتنة }  يعني : حتى لا يكون شرك بالله , وحتى لا يعبد دونه أحد , وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد , وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان ; كما قال قتادة فيما : 2550 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  قال : حتى لا يكون شرك .  * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  قال : حتى لا يكون شرك .  2551 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  قال : الشرك  { ويكون الدين لله }  * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . 2552 - حدثني موسى بن هارون , قال ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  قال : أما الفتنة : فالشرك .  2553 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  يقول : قاتلوا حتى لا يكون شرك .  2554 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  أي شرك .  2555 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  قال : حتى لا يكون كفر , وقرأ :  { تقاتلونهم أو يسلمون }  48 16  * حدثني علي بن داود , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس :  { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }  يقول : شرك .  وأما الدين الذي ذكره الله في هذا الموضع فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه , من ذلك قول الأعشى : 
 هو دان الرباب إذ كرهوا الدين 
 دراكا بغزوة وصيال 
 يعني بقوله : إذ كرهوا الدين : إذ كرهوا الطاعة وأبوها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 2556 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع :  { ويكون الدين لله }  يقول : حتى لا يعبد إلا الله , وذلك لا إله إلا الله ; عليه قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وإليه دعا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله , ويقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " .  2557 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : 
 { ويكون الدين لله }  أن يقال : لا إله إلا الله . ذكر لنا أن نبي الله كان يقول : " إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " . ثم ذكر مثل حديث الربيع . 
فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ
 القول في تأويل قوله تعالى :  { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }  يعني تعالى ذكره بقوله :  { فإن انتهوا }  فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم , ودخلوا في ملتكم , وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه , وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان , فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم , فإنه لا ينبغي أن يعتدى إلا على الظالمين وهم المشركون بالله , والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم . فإن قال قائل : وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال :  { فلا عدوان إلا على الظالمين }  ؟ قيل : إن المعنى في ذلك غير الوجه الذي ذهبت , وإنما ذلك على وجه المجازاة لما كان من المشركين من الاعتداء , يقول : افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم , كما يقال : إن تعاطيت مني ظلما تعاطيته منك , والثاني ليس بظلم , كما قال عمرو بن شأس الأسدي . 
 جزينا ذوي العدوان بالأمس قرضهم 
 قصاصا سواء حذوك النعل بالنعل 
 وإنما كان ذلك نظير قوله :  { الله يستهزئ بهم }  2 15  و  { فيسخرون منهم سخر الله منهم }  9 79  وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مضى قبل . وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 2558 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله :  { فلا عدوان إلا على الظالمين }  والظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله .  2559 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع .  { فلا عدوان إلا على الظالمين }  قال : هم المشركون .  2560 - حدثني المثنى , قال . ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا عثمان بن غياث , قال :  سمعت عكرمة في هذه الآية :  { فلا عدوان إلا على الظالمين }  : قال : هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله .  وقال آخرون : معنى قوله .  { فلا عدوان إلا على الظالمين }  فلا تقاتل إلا من قاتل . ذكر من قال ذلك : 2561 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد :  { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }  يقول : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم .  * حدثني المثنى , قال . ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 2562 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال :  { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }  فإن الله لا يحب العدوان على الظالمين ولا على غيرهم , ولكن يقول : اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم .  فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله  { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }  لا يجوز أن يقول فإن انتهوا , إلا وقد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم , فكأنه قال : فإن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم , فأضمر كما قال :  { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي }  2 196  يريد فعليه ما استيسر من الهدي , وكما تقول : إلى من تقصد أقصد , يعني إليه . وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله , فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم لمن انتهى , ولا عدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون .