إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ
 القول في تأويل قوله تعالى :  { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب }  يعني تعالى ذكره بقوله :  { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب }  أحبار اليهود الذين كتموا الناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته , وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة برشا كانوا أعطوها على ذلك . كما : 2060 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله :  { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب }  الآية كلها : هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم وبين لهم من الحق والهدى من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأمره .  2061 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه , عن الربيع في قوله :  { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا }  قال : هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والإسلام وشأن محمد صلى الله عليه وسلم .  2062 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي :  { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب }  فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .  2063 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة قوله :  { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب }  والتي في آل عمران :  { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا }  3 77  نزلتا جميعا في يهود . 
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
وأما تأويل قوله :  { ويشترون به ثمنا قليلا }  فإنه يعني : يبتاعون به . والهاء التي في " به " من ذكر الكتمان , فمعناه : ابتاعوا بكتمانهم ما كتموا الناس من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر نبوته ثمنا قليلا . وذلك أن الذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب الله وتأويلهموه على غير وجهه وكتمانهم الحق في ذلك , اليسير من عرض الدنيا . كما : 2064 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي :  { ويشترون به ثمنا قليلا }  قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم , وأخذوا عليه طمعا قليلا , فهو الثمن القليل .  وقد بينت فيما مضى صفة اشترائهم ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا .
أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ
 القول في تأويل قوله تعالى :  { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار }  يعني تعالى ذكره بقوله :  { أولئك }  هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في شأن محمد صلى الله عليه وسلم بالخسيس من الرشوة يعطونها , فيحرفون لذلك آيات الله ويغيرون معانيها .  { ما يأكلون في بطونهم }  بأكلهم ما أكلوا من الرشا على ذلك والجعالة وما أخذوا عليه من الأجر  { إلا النار }  , يعني إلا ما يوردهم النار ويصليهموها , كما قال تعالى ذكره :  { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا }  4 10  معناه : ما يأكلون في بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم . فاستغنى بذكر النار وفهم السامعين معنى الكلام عن ذكر ما يوردهم أو يدخلهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 2065 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع :  { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار }  يقول : ما أخذوا عليه من الأجر .  فإن قال قائل : فهل يكون الأكل في غير البطن فيقال : ما يأكلون في بطونهم ؟ قيل : قد تقول العرب جعت في غير بطني , وشبعت في غير بطني , فقيل في بطونهم لذلك كما يقال : فعل فلان هذا نفسه وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع فيما مضى .
وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وأما قوله :  { ولا يكلمهم الله يوم القيامة }  يقول : ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون , فأما بما يسوءهم ويكرهون فإنه سيكلمهم ; لأنه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم إذا قالوا :  { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون }  قال :  { اخسئوا فيها ولا تكلمون }  23 107 : 108  لآيتين .
وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وأما قوله :  { ولا يزكيهم }  فإنه يعني : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ,  { ولهم عذاب أليم }  يعني موجع .