بتـــــاريخ : 11/4/2009 1:20:32 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1442 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 85

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان } قال أبو جعفر : ويتجه في قوله : { ثم أنتم هؤلاء } وجهان : أحدهما أن يكون أريد به : ثم أنتم يا هؤلاء , فترك " يا " استغناء بدلالة الكلام عليه , كما قال : { يوسف أعرض عن هذا } 12 29 وتأويله : يا يوسف أعرض عن هذا . فيكون معنى الكلام حينئذ : ثم أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم , ثم أقررتم بعد شهادتكم على أنفسكم بأن ذلك حق لي عليكم لازم لكم الوفاء لي به - { تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } متعاونين عليهم في إخراجكم إياهم بالإثم والعدوان . والتعاون : هو التظاهر ; وإنما قيل : للتعاون التظاهر , لتقوية بعضهم ظهر بعض , فهو تفاعل من الظهر , وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض . والوجه الآخر أن يكون معناه : ثم أنتم قوم تقتلون أنفسكم ; فيرجع إلى الخبر عن " أنتم " , وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم بهؤلاء , كما تقول العرب : أنا ذا أقوم , وأنا هذا أجلس , وإذ قيل : أنا هذا أجلس كان صحيحا جائزا , كذلك أنت ذاك تقوم . وقد زعم بعض البصريين أن قوله " هؤلاء " في قوله : { ثم أنتم هؤلاء } تنبيه وتوكيد ل " أنتم " , وزعم أن " أنتم " وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين , فإنما جاز أن يؤكدوا ب " هؤلاء " و " أولاء " , لأنها كناية عن المخاطبين , كما قال خفاف بن ندبة : أقول له والرمح يأطر متنه تبين خفافا إنني أنا ذلكا يريد : أنا هذا . وكما قال جل ثناؤه : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } . 10 22 ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية نحو اختلافهم فيمن عنى بقوله : { وأنتم تشهدون } . ذكر اختلاف المختلفين في ذلك : 1212 - حدثنا محمد بن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني محمد بن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان } إلى أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم , وتخرجوهم من ديارهم معهم . فقال : أنبهم الله على ذلك من فعلهم , وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم , وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ; فكانوا فريقين طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج والنضير وقريظة حلفاء الأوس , فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج , وخرجت النضير وقريظة مع الأوس , يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون منها ما عليهم وما لهم , والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنة ولا نارا , ولا بعثا , ولا قيامة , ولا كتابا , ولا حراما , ولا حلالا ; فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم , تصديقا لما في التوراة وأخذا به بعضهم من بعض : يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس , وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم , ويطلون ما أصابوا من الدماء وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى ذكره حين أنبهم بذلك : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه ; وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من ذلك , ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض من عرض الدنيا . ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة . 1213 - وحدثني موسى بن هارون , قال : حدثني عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون } قال : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضا , وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه فأعتقوه . فكانت قريظة حلفاء الأوس , والنضير حلفاء الخزرج , فكانوا يقتتلون في حرب سمير , فتقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءها . وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها فيغلبونهم , فيخربون بيوتهم ويخرجونهم منها , فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه , فتعيرهم العرب بذلك , ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم , قالوا : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا . فذلك حين عيرهم جل وعز فقال : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان } . 1214 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : كانت قريظة والنضير أخوين , وكانوا بهذه المثابة , وكان الكتاب بأيديهم . وكانت الأوس والخزرج أخوين فافترقا , وافترقت قريظة والنضير , فكانت النضير مع الخزرج , وكانت قريظة مع الأوس . فاقتتلوا , وكان بعضهم يقتل بعضا , فقال الله جل ثناؤه : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } الآية . وقال آخرون بما : 1215 - حدثني به المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية قال : كان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم , وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم . وأما العدوان فهو الفعلان من التعدي , يقال منه : عدا فلان في كذا عدوا وعدوانا , واعتدى يعتدي اعتداء , وذلك إذا جاوز حده ظلما وبغيا . وقد اختلف القراء في قراءة : { تظاهرون } فقرأها بعضهم : تظاهرون , على مثال " تفاعلون " فحذف التاء الزائدة وهي التاء الآخرة . وقرأها آخرون : { تظاهرون } , فشدد بتأويل { تتظاهرون } , غير أنهم أدغموا التاء الثانية في الظاء لتقارب مخرجيهما فصيروهما ظاء مشددة . وهاتان القراءتان وإن اختلفت ألفاظهما فإنهما متفقتا المعنى , فسواء بأي ذلك قرأ القارئ لأنهما جميعا لغتان معروفتان وقراءتان مستفيضتان في أمصار الإسلام بمعنى واحد ليس في إحداهما معنى تستحق به اختيارها على الأخرى إلا أن يختار مختار تظاهرون المشددة طلبا منه تتمة الكلمة .

    وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } . يعني بقوله جل ثناؤه : { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } اليهود يوبخهم بذلك , ويعرفهم به قبيح أفعالهم التي كانوا يفعلونها . فقال لهم : ثم أنتم بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم أن لا تسفكوا دماءكم ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم { تقتلون أنفسكم } يعني به يقتل بعضكم بعضا , وأنتم مع قتلكم من تقتلون منكم إذا وجدتم الأسير منكم في أيدي غيركم من أعدائكم تفدونه ويخرج بعضكم بعضا من دياره . وقتلكم إياهم وإخراجكم لهم من ديارهم حرام عليكم وتركهم أسرى في أيدي عدوكم , فكيف تستجيزون قتلهم ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم ؟ أم كيف لا تستجيزون ترك فدائهم وتستجيزون قتلهم ؟ وهم جميعا في اللازم لكم من الحكم فيهم سواء ; لأن الذي حرمت عليكم من قتلهم وإخراجهم من دورهم نظير الذي حرمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوهم { أفتؤمنون ببعض الكتاب } الذي فرضت عليكم فيه فرائضي وبينت لكم فيه حدودي وأخذت عليه بالعمل بما فيه ميثاقي فتصدقون به , فتفادون أسراكم من أيدي عدوكم ; وتكفرون ببعضه فتجحدونه فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم ومن قومكم , وتخرجونهم من ديارهم ؟ وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي وميثاقي . كما : 1216 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } فادين والله إن فداءهم لإيمان وإن إخراجهم لكفر , فكانوا يخرجونهم من ديارهم , وإذا رأوهم أسارى في أيدي عدوهم افتكوهم . 1217 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة , عن ابن عباس : { وإن يأتوكم أسارى تفدوهم } قد علمتم أن ذلكم عليكم في دينكم , { وهو محرم عليكم } في كتابكم { إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } أتفادونهم مؤمنين بذلك , وتخرجونهم كفرا بذلك ؟ 1218 - حدثني محمد بن عمرو , قال ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك ؟ 1219 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , قال : قال أبو جعفر : كان قتادة يقول في قوله : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } فكان إخراجهم كفرا وفداؤهم إيمانا . 1220 - حدثنا المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } الآية , قال : كان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم , وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم , وأخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم أن يفادوهم . فأخرجوهم من ديارهم ثم فادوهم . فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض ; آمنوا بالفداء ففدوا , وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوا . 1221 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , قال : ثنا الربيع بن أنس , قال : أخبرني أبو العالية : أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ولا يفادي من وقع عليه العرب , فقال له عبد الله بن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن . 1222 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } قال : كفرهم القتل والإخراج , وإيمانهم الفداء . قال ابن جريج : يقول : إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم . وأما إذا أسروا تفدونهم ؟ وبلغني أن عمر بن الخطاب قال في قصة بني إسرائيل : إن بني إسرائيل قد مضوا وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث . واختلف القراء في قراءة قوله : { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } فقرأه بعضهم : { أسرى تفدوهم } , وبعضهم : { أسارى تفادوهم } , وبعضهم : { أسارى تفدوهم } , وبعضهم : { أسرى تفادوهم } . قال أبو جعفر : فمن قرأ ذلك : { وإن يأتوكم أسرى } , فإنه أراد جمع الأسير , إذ كان على " فعيل " على مثال جمع أسماء ذوي العاهات التي يأتي واحدها على تقدير فعيل , إذ كان الأسر شبيه المعنى في الأذى والمكروه الداخل على الأسير ببعض معاني العاهات ; وألحق جمع المستلحق به بجمع ما وصفنا , فقيل أسير وأسرى , كما قيل مريض ومرضى وكسير وكسرى , وجريح وجرحى . وقال أبو جعفر : وأما الذين قرءوا ذلك : { أسارى } , فإنهم أخرجوه على مخرج جمع فعلان , إذ كان جمع " فعلان " الذي له " فعلى " قد يشارك جمع " فعيل " , كما قالوا سكارى وسكرى وكسالى وكسلى , فشبهوا أسيرا وجمعوه مرة أسارى وأخرى أسرى بذلك . وكان بعضهم يزعم أن معنى الأسرى مخالف معنى الأسارى , ويزعم أن معنى الأسرى استئسار القوم بغير أسر من المستأسر لهم , وأن معنى الأسارى معنى مصير القوم المأسورين في أيدي الآسرين بأسرهم وأخذهم قهرا وغلبة . قال أبو جعفر : وذلك ما لا وجه له يفهم في لغة أحد من العرب , ولكن ذلك على ما وصفت من جمع الأسير مرة على " فعلى " لما بينت من العلة , ومرة على " فعالى " لما ذكرت من تشبيههم جمعه بجمع سكران وكسلان وما أشبه ذلك . وأولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : { وإن يأتوكم أسرى } لأن " فعالى " في جمع " فعيل " غير مستفيض في كلام العرب . فإذا كان ذلك غير مستفيض في كلامهم , وكان مستفيضا فاشيا فيهم جمع ما كان من الصفات التي بمعنى الآلام والزمانة واحدة على تقدير " فعيل " على " فعلى " كالذي وصفنا قبل , وكان أحد ذلك الأسير ; كان الواجب أن يلحق بنظائره وأشكاله فيجمع جمعها دون غيرها ممن خالفها . وأما من قرأ : { تفادوهم } فإنه أراد أنكم تفدونهم من أسرهم , ويفدي منكم - الذين أسروهم ففادوكم بهم - أسراكم منهم . وأما من قرأ ذلك : { تفدوهم } فإنه أراد أنكم يا معشر اليهود إن أتاكم الذين أخرجتموهم منكم من ديارهم أسرى فديتموهم فاستنقذتموهم . وهذه القراءة أعجب إلي من الأولى , أعني : { أسرى تفدوهم } لأن الذي على اليهود في دينهم فداء أسراهم بكل حال فدى الآسرون أسراهم منهم أم لم يفدوهم . وأما قوله : { وهو محرم عليكم إخراجهم } فإن في قوله : { وهو } وجهين من التأويل ; أحدهما : أن يكون كناية عن الإخراج الذي تقدم ذكره , كأنه قال : وتخرجون فريقا منكم من ديارهم , وإخراجهم محرم عليكم . ثم كرر الإخراج الذي بعد وهو محرم عليكم تكريرا على " هو " , لما حال بين " الإخراج " و " هو " كلام . والتأويل الثاني : أن يكون عمادا لما كانت الواو التي مع " هو " تقتضي اسما يليها دون الفعل , فلما قدم الفعل قبل الاسم الذي تقتضيه الواو أن يليها أوليت " هو " لأنه اسم , كما تقول : أتيتك وهو قائم أبوك , بمعنى : وأبوك قائم , إذ كانت الواو تقتضي اسما فعمدت ب " هو " , إذ سبق الفعل الاسم ليصلح الكلام ; كما قال الشاعر : فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته على العيس في آباطها عرق يبس بأن السلامى الذي بضرية أمير الحمى قد باع حقي بني عبس بثوب ودينار وشاة ودرهم فهل هو مرفوع بما ههنا رأس فأوليت " هل " لطلبها الاسم العماد .

    فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

    القول في تأويل قوله تعالى : { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } . يعني بقوله جل ثناؤه : { فما جزاء من يفعل ذلك منكم } فليس لمن قتل منكم قتيلا فكفر بقتله إياه بنقض عهد الله الذي حكم به عليه في التوراة , وأخرج منكم فريقا من ديارهم مظاهرا عليهم أعداءهم من أهل الشرك ظلما وعدوانا وخلافا لما أمره الله به في كتابه الذي أنزله إلى موسى , جزاء ; يعني بالجزاء : الثواب وهو العوض مما فعل من ذلك والأجر عليه , { إلا خزي في الحياة الدنيا } والخزي الذل والصغار , يقال منه : " خزي الرجل يخزى خزيا " . { في الحياة الدنيا } , يعني في عاجل الدنيا قبل الآخرة . ثم اختلف في الخزي الذي أخزاهم الله بما سلف من معصيتهم إياه . فقال بعضهم : ذلك هو حكم الله الذي أنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أخذ القاتل بمن قتل والقود به قصاصا , والانتقام للمظلوم من الظالم . وقال آخرون : بل ذلك هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم ذلة لهم وصغارا . وقال آخرون : بل ذلك الخزي الذي جوزوا به في الدنيا إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم النضير من ديارهم لأول الحشر , وقتل مقاتلة قريظة وسبي ذراريهم ; فكان ذلك خزيا في الدنيا , ولهم في الآخرة عذاب عظيم .

    وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } . يعني بقوله : { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } ويوم تقوم الساعة يرد من يفعل ذلك منكم بعد الخزي الذي يحل به في الدنيا جزاء على معصية الله إلى أشد العذاب الذي أعد الله لأعدائه . وقد قال بعضهم : معنى ذلك : { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } من عذاب الدنيا . ولا معنى لقول قائل ذلك . ذلك بأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنهم يردون إلى أشد معاني العذاب ; ولذلك أدخل فيه الألف واللام , لأنه عنى به جنس العذاب كله دون نوع منه .

    وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وما الله بغافل عما تعملون } اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { وما الله بغافل عما يعملون } بالياء على وجه الإخبار عنهم , فكأنهم نحوا بقراءتهم معنى : { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون } يعني عما يعمله الذين أخبر الله عنهم أنه ليس لهم جزاء على فعلهم إلا الخزي في الحياة الدنيا , ومرجعهم في الآخرة إلى أشد العذاب . وقرأه آخرون : { وما الله بغافل عما تعملون } بالتاء على وجه المخاطبة ; قال : فكأنهم نحوا بقراءتهم : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض . .. وما الله بغافل } يا معشر اليهود { عما تعملون } أنتم . وأعجب القراءتين إلى قراءة من قرأ بالياء اتباعا لقوله : { فما جزاء من يفعل ذلك منكم } ولقوله : { ويوم القيامة يردون } لأن قوله : { وما الله بغافل عما يعملون } إلى ذلك أقرب منه إلى قوله : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } فاتباعه الأقرب إليه أولى من إلحاقه بالأبعد منه . والوجه الآخر غير بعيد من الصواب . وتأويل قوله : وما الله بساه عن أعمالهم الخبيثة , بل هو محص لها وحافظها عليهم حتى يجازيهم بها في الآخرة ويخزيهم في الدنيا فيذلهم ويفضحهم .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()