بتـــــاريخ : 11/4/2009 12:13:33 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1980 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 61

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا

    القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد } قد دللنا فيما مضى قبل على معنى الصبر , وأنه كف النفس وحبسها عن الشيء . فإذا كان ذلك كذلك , فمعنى الآية إذا : واذكروا إذا قلتم يا معشر بني إسرائيل لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد - وذلك الطعام الواحد هو ما أخبر الله جل ثناؤه أنه أطعمهموه في تيههم وهو السلوى في قول بعض أهل التأويل , وفي قول وهب بن منبه هو الخبز النقي مع اللحم - فاسأل لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من البقل والقثاء . وما سمى الله مع ذلك وذكر أنهم سألوه موسى . وكان سبب مسألتهم موسى ذلك فيما بلغنا , ما : 885 - حدثنا به بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد بن زريع , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد } قال : كان القوم في البرية قد ظلل عليهم الغمام , وأنزل عليهم المن والسلوى , فملوا ذلك , وذكروا عيشا كان لهم بمصر , فسألوه موسى , فقال الله تعالى : { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لن نصبر على طعام واحد } قال : ملوا طعامهم , وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك , { قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها } . . . الآية . 886 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد } قال : كان طعامهم السلوى , وشرابهم المن , فسألوا ما ذكر , فقيل لهم : { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } . قال أبو جعفر , وقال قتادة : إنهم لما قدموا الشأم فقدوا أطعمتهم التي كانوا يأكلونها , فقالوا : { ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها } وكانوا قد ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى , فملوا ذلك , وذكروا عيشا كانوا فيه بمصر . 887 - حدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا عيسى , قال : سمعت ابن أبي نجيح في قوله عز وجل : { لن نصبر على طعام واحد } المن والسلوى , فاستبدلوا به البقل وما ذكر معه . 888 - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بمثله سواء . * حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد بمثله . 889 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط , عن السدي : أعطوا في التيه ما أعطوا , فملوا ذلك وقالوا : { يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها } . 890 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أنبأنا ابن زيد , قال : كان طعام بني إسرائيل في التيه واحدا , وشرابهم واحدا , كان شرابهم عسلا ينزل لهم من السماء يقال له المن , وطعامهم طير يقال له السلوى , يأكلون الطير ويشربون العسل , لم يكونوا يعرفون خبزا ولا غيره . فقالوا : يا موسى إنا لن نصبر على طعام واحد , فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها ! فقرأ حتى بلغ : { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } . وإنما قال جل ذكره : { يخرج لنا مما تنبت الأرض } ولم يذكر الذي سألوه أن يدعو ربه ليخرج لهم من الأرض , فيقول : قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا كذا وكذا مما تنبته الأرض من بقلها وقثائها , لأن " من " تأتي بمعنى التبعيض لما بعدها , فاكتفى بها عن ذكر التبعيض , إذ كان معلوما بدخولها معنى ما أريد بالكلام الذي هي فيه كقول القائل : أصبح اليوم عند فلان من الطعام يريد شيئا منه . وقد قال بعضهم : " من " ههنا بمعنى الإلغاء والإسقاط , كأن معنى الكلام عنده : يخرج لنا ما تنبت الأرض من بقلها . واستشهد على ذلك بقول العرب : ما رأيت من أحد , بمعنى : ما رأيت أحدا , وبقول الله : { ويكفر عنكم من سيئاتكم } 2 271 وبقولهم : قد كان من حديث , فخل عني حتى أذهب , يريدون : قد كان حديث . وقد أنكر من أهل العربية جماعة أن تكون " من " بمعنى الإلغاء في شيء من الكلام , وادعوا أن دخولها في كل موضع دخلت فيه مؤذن أن المتكلم مريد لبعض ما أدخلت فيه لا جميعه , وأنها لا تدخل في موضع إلا لمعنى مفهوم . فتأويل الكلام إذا على ما وصفنا من أمر من ذكرنا : فادع لنا ربك يخرج لنا بعض ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها . والبقل والقثاء والعدس والبصل , هو ما قد عرفه الناس بينهم من نبات الأرض وحبها . وأما الفوم , فإن أهل التأويل اختلفوا فيه . فقال بعضهم : هو الحنطة والخبز . ذكر من قال ذلك . 891 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو أحمد ومؤمل , قالا : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , قال : الفوم : الخبز . * حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : حدثنا أبو أحمد , ثنا سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء ومجاهد قوله : { وفومها } قالا : خبزها . * حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو , قالا : ثنا أبو عاصم , عن عيسى بن ميمون , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وفومها } قال : الخبز . 892 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة والحسن : الفوم : هو الحب الذي يختبزه الناس . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة والحسن بمثله . 893 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : اخبرنا حصين , عن أبي مالك في قوله : { وفومها } قال : الحنطة . 894 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط بن نصر عن السدي : { وفومها } الحنطة . * حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : ثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن وحصين , عن أبي مالك في قوله : { وفومها } : الحنطة . * حدثني المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر الرازي , عن قتادة قال : الفوم : الحب الذي يختبز الناس منه . * حدثني القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء بن أبي رياح قوله : { وفومها } قال : خبزها . قالها مجاهد . 895 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال لي ابن زيد : الفوم : الخبز . 896 - حدثني يحيى بن عثمان السهمي , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله : { وفومها } يقول : الحنطة والخبز . * حدثت عن المنجاب , قال : ثنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وفومها } قال : هو البر بعينه الحنطة . * حدثنا علي بن الحسن , قال : ثنا مسلم الجرمي , قال : ثنا عيسى بن يونس , عن رشدين بن كريب , عن أبيه , عن ابن عباس في قول الله عز وجل : { وفومها } قال : الفوم : الحنطة بلسان بني هاشم . 897 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا عبد العزيز بن منصور , عن نافع بن أبي نعيم أن عبد الله بن عباس سئل عن قول الله : { وفومها } قال : الحنطة أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول : قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم وقال آخرون : هو الثوم . ذكر من قال ذلك : 898 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا شريك , عن ليث , عن مجاهد , قال : هو هذا الثوم . 899 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : ثنا إسحاق , قال . ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : الفوم : الثوم . وهو في بعض القراءات " وثومها " . وقد ذكر أن تسمية الحنطة والخبز جميعا فوما من اللغة القديمة , حكي سماعا من أهل هذه اللغة : فوموا لنا , بمعنى اختبزوا لنا ; وذكر أن ذلك قراءة عبد الله بن مسعود " وثومها " بالثاء . فإن كان ذلك صحيحا فإنه من الحروف المبدلة , كقولهم : وقعوا في عاثور شر وعافور شر , وكقولهم للأثافي أثاثي , وللمغافير مغاثير , وما أشبه ذلك مما تقلب الثاء فاء والفاء ثاء لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء . والمغافير شبيه بالشيء الحلو يشبه بالعسل ينزل من السماء حلوا يقع على الشجر ونحوها .

    وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } يعني بقوله : { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } قال لهم موسى : أتأخذون الذي هو أخس خطرا وقيمة وقدرا من العيش , بدلا بالذي هو خير منه خطرا وقيمة وقدرا ! وذلك كان استبدالهم . وأصل الاستبدال : هو ترك شيء لآخر غيره مكان المتروك . ومعنى قوله : { أدنى } أخس وأوضع وأصغر قدرا وخطرا , وأصله من قولهم : هذا رجل دني بين الدناءة , وإنه ليدني في الأمور بغير همز إذا كان يتتبع خسيسها . وقد ذكر الهمز عن بعض العرب في ذلك سماعا منهم , يقولون : ما كنت دنيا ولقد دنأت . وأنشدني بعض أصحابنا عن غيره أنه سمع بعض بني كلاب ينشد بيت الأعشى : باسلة الواقع سرابيلها بيض إلى دانئها الظاهر بهمز الدانئ , وأنه سمعهم يقولون : إنه لدانئ خبيث , بالهمز . فإن كان ذلك عنهم صحيحا , فالهمز فيه لغة وتركه أخرى . ولا شك أن من استبدل بالمن والسلوى البقل والقثاء والعدس والبصل والثوم , فقد استبدل الوضيع من العيش الرفيع منه . وقد تأول بعضهم قوله : { الذي هو أدنى } بمعنى الذي هو أقرب , ووجه قوله : { أدنى } إلى أنه أفعل من الدنو الذي هو بمعنى القرب . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { الذي هو أدنى } قاله عدد من أهل التأويل في تأويله . ذكر من قال ذلك : 900 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة قال : { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } يقول : أتستبدلون الذي هو شر بالذي هو خير منه . 901 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج عن ابن جريج , عن مجاهد قوله : { الذي هو أدنى } قال : أردأ .

    خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا

    القول في تأويل قوله تعالى : { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } وتأويل ذلك : فدعا موسى فاستجبنا له , فقلنا لهم : اهبطوا مصر . وهو من المحذوف الذي اجتزئ بدلالة ظاهره على ذكر ما حذف وترك منه . وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الهبوط إلى المكان إنما هو النزول إليه والحلول به . فتأويل الآية إذا : { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها } قال لهم موسى : أتستبدلون الذي هو أخس وأردأ من العيش بالذي هو خير منه ؟ فدعا لهم موسى ربه أن يعطيهم ما سألوه , فاستجاب الله له دعاءه , فأعطاهم ما طلبوا , وقال الله لهم : { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } . ثم اختلف القراء في قراءة قوله : { مصرا } فقرأه عامة القراء : " مصرا " بتنوين المصر وإجرائه ; وقرأه بعضهم بترك التنوين وحذف الألف منه . فأما الذين نونوه وأجروه , فإنهم عنوا به مصرا من الأمصار لا مصرا بعينه , فتأويله على قراءتهم : اهبطوا مصرا من الأمصار , لأنكم في البدو , والذي طلبتم لا يكون في البوادي والفيافي , وإنما يكون في القرى والأمصار , فإن لكم إذا هبطتموه ما سألتم من العيش . وقد يجوز أن يكون بعض من قرأ ذلك بالإجراء والتنوين , كان تأويل الكلام عنده : اهبطوا مصرا البلدة التي تعرف بهذا الاسم وهي " مصر " التي خرجوا عنها , غير أنه أجراها ونونها اتباعا منه خط المصحف , لأن في المصحف ألفا ثابتة في مصر , فيكون سبيل قراءته ذلك بالإجراء والتنوين سبيل من قرأ : { قواريرا قواريرا من فضة } 76 15 : 16 منونة اتباعا منه خط المصحف . وأما الذي لم ينون مصر فإنه لا شك أنه عنى مصر التي تعرف بهذا الاسم بعينها دون سائر البلدان غيرها . وقد اختلف أهل التأويل في ذلك نظير اختلاف القراء في قراءته . 902 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة : { اهبطوا مصرا } أي مصرا من الأمصار { فإن لكم ما سألتم } . 903 - وحدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { اهبطوا مصرا } من الأمصار , { فإن لكم ما سألتم } فلما خرجوا من التيه رفع المن والسلوى وأكلوا البقول . * وحدثني المثنى , قال : حدثني آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن قتادة في قوله : { اهبطوا مصرا } قال : يعني مصرا من الأمصار . 904 - وحدثنا القاسم بن الحسن , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { اهبطوا مصرا } قال : مصرا من الأمصار , زعموا أنهم لم يرجعوا إلى مصر . 905 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { اهبطوا مصرا } قال : مصرا من الأمصار . ومصر لا تجري في الكلام , فقيل : أي مصر ؟ فقال : الأرض المقدسة التي كتب الله لهم . وقرأ قول الله جل ثناؤه : { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } 5 21 وقال آخرون : هي مصر التي كان فيها فرعون . ذكر من قال ذلك : 906 - حدثني المثنى , ثنا آدم , ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { اهبطوا مصرا } قال : يعني به مصر فرعون . 907 - حدثنا عن عمار بن الحسن , عن ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله . ومن حجة من قال : إن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله : { اهبطوا مصرا } مصرا من الأمصار دون مصر فرعون بعينها , أن الله حمل أرض الشام لبني إسرائيل مساكن بعد أن أخرجهم من مصر , وإنما ابتلاهم بالتيه بامتناعهم على موسى في حرب الجبابرة إذ قال لهم : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين } إلى قوله : { إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } 5 21 : 24 فحرم الله جل وعز على قائل ذلك فيما ذكر لنا دخولها حتى هلكوا في التيه وابتلاهم بالتيهان في الأرض أربعين سنة , ثم أهبط ذريتها الشام , فأسكنهم الأرض المقدسة , وجعل هلاك الجبابرة على أيديهم مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى بن عمران . فرأينا الله جل وعز قد أخبر عنهم أنه كتب لهم الأرض المقدسة ولم يخبرنا عنهم أنه ردهم إلى مصر بعد إخراجه إياهم منها , فيجوز لنا أن نقرأ اهبطوا مصر , ونتأوله أنه ردهم إليها . قالوا : فإن احتج محتج بقول الله جل ثناؤه : { فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل } 26 57 : 59 قيل لهم : فإن الله جل ثناؤه إنما أورثهم ذلك فملكهم إياها ولم يردهم إليها , وجعل مساكنهم الشأم . وأما الذين قالوا : إن الله إنما عنى بقوله جل وعز : { اهبطوا مصرا } مصر , فإن من حجتهم التي احتجوا بها الآية التي قال فيها : { فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناهم بني إسرائيل } 26 57 : 59 وقوله : { كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين } 44 25 : 28 قالوا : فأخبر الله جل ثناؤه أنه قد ورثهم ذلك وجعلها لهم , فلم يكونوا يرثونها ثم لا ينتفعون بها . قالوا : ولا يكونون منتفعين بها إلا بمصير بعضهم إليها , وإلا فلا وجه للانتفاع بها إن لم يصيروا أو يصر بعضهم إليها . قالوا : وأخرى أنها في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود : " اهبطوا مصر " بغير ألف , قالوا : ففي ذلك الدلالة البينة أنها مصر بعينها . والذي نقول به في ذلك أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين , ولا خبر به عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع مجيئه العذر , وأهل التأويل متنازعون تأويله . فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن موسى سأل ربه أن يعطي قومه ما سألوه من نبات الأرض على ما بينه الله جل وعز في كتابه وهم في الأرض تائهون , فاستجاب الله لموسى دعاءه , وأمره أن يهبط بمن معه من قومه قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك , إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه , وجائز أن يكون ذلك القرار مصر , وجائز أن يكون الشأم . فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين : { اهبطوا مصرا } وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين , واتفاق قراءة القراء على ذلك . ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة فيما جاءت به من القراءة مستفيضا بينهما .

    سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } قال أبو جعفر : يعني بقوله : { وضربت } أي فرضت . ووضعت عليهم الذلة وألزموها ; من قول القائل : ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة . وضرب الرجل على عبده الخراج ; يعني بذلك وضعه فألزمه إياه , ومن قولهم : ضرب الأمير على الجيش البعث , يراد به ألزمهموه . وأما الذلة , فهي الفعلة من قول القائل : ذل فلان يذل ذلا وذلة . كالصغرة من صغر الأمر , والقعدة من قعد , والذلة : هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم , فقال عز وجل { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } 9 29 كما : 908 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق . قال أخبرنا معمر , عن الحسن وقتادة في قوله : { وضربت عليهم الذلة } قالا : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون . وأما المسكنة , فإنها مصدر المسكين , يقال : ما فيهم أسكن من فلان وما كان مسكينا ولقد تمسكن مسكنة . ومن العرب من يقول تمسكن تمسكنا . والمسكنة في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة , وهي خشوعها وذلها . كما : 909 - حدثني به المثنى بن إبراهيم . قال : ثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { والمسكنة } قال : الفاقة 910 - حدثني موسى , قال ثنا عمرو بن حماد . قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } قال : الفقر . 911 - وحدثني يونس , قالة : أخبرنا ابن وهب . قال : قال ابن زيد في قوله : { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } قال هؤلاء يهود بني إسرائيل . قلت له : هم قبط مصر ؟ قال : وما لقبط مصر وهذا ؟ لا والله ما هم هم , ولكنهم اليهود يهود بني إسرائيل . فأخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلا , وبالنعمة بؤسا , وبالرضا عنهم غضبا , جزاء منه لهم على كفرهم بآياته وقتلهم أنبياءه ورسله اعتداء وظلما منهم بغير حق , وعصيانهم له , وخلافا عليه .

    وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وباءوا بغضب من الله } قال أبو جعفر : يعني بقوله : { وباءوا بغضب من الله } انصرفوا ورجعوا , ولا يقال باءوا إلا موصولا إما بخير وإما بشر , يقال منه : باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء . ومنه قول الله عز وجل { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني . فمعنى الكلام إذا : ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله , قد صار عليهم من الله غضب , ووجب عليهم منه سخط . كما : 912 - حدثنا عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { وباءوا بغضب من الله } فحدث عليهم غضب من الله . 913 - حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { وباءوا بغضب من الله } قال : استحقوا الغضب من الله . وقدمنا معنى غضب الله على عبده فيما مضى من كتابنا هذا , فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .

    اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ذلك " ضرب الذلة والمسكنة عليهم , وإحلاله غضبه بهم . فدل بقوله : " ذلك " - وهي يعني به ما وصفنا على أن قول القائل ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها . ويعني بقوله : { بأنهم كانوا يكفرون } : من أجل أنهم كانوا يكفرون , يقول : فعلنا بهم من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله , ويقتلون النبيين بغير الحق , كما قال أعشى بني ثعلبة : مليكية جاورت بالحجا ز قوما عداة وأرضا شطيرا بما قد تربع روض القطا وروض التناضب حتى تصيرا يعني بذلك : جاورت بهذا المكان هذه المرأة قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله - لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده - من تربعها روض القطا وروض التناضب . فكذلك قوله : { وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } يقول : كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا , وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا . وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى الكفر : تغطية الشيء وستره , وأن آيات الله : حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله . فمعنى الكلام إذا : فعلنا بهم ذلك من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده , وتصديق رسله ويدفعون حقيتها , ويكذبون بها .

    اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ

    ويعني بقوله : { ويقتلون النبيين بغير الحق } : ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم لإنباء ما أرسلهم به عنه لمن أرسلوا إليه . وهم جماع وأحدهم نبي , غير مهموز , وأصله الهمز , لأنه من أنبأ عن الله , فهو ينبئ عنه إنباء , وإنما الاسم منه منبئ ولكنه صرف وهو " مفعل " إلى " فعيل " , كما صرف سميع إلى فعيل من مفعل , وبصير من مبصر , وأشباه ذلك , وأبدل مكان الهمزة من النبيء الياء , فقيل نبي . هذا ومجمع النبي أيضا على أنبياء , وإنما جمعوه كذلك لإلحاقهم النبيء بإبدال الهمزة منه ياء بالمنعوت التي تأتي على تقدير فعيل من ذوات الياء والواو . وذلك أنهم إذا أجمعوا ما كان من المنعوت على تقدير فعيل من ذوات الياء والواو جمعوه على أفعلاء , كقولهم ولي وأولياء . ووصي وأوصياء . ودعي وأدعياء . ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله . وعلى أن الواحد " نبيء " مهموز لجمعوه على فعلاء , فقيل لهم النبآء , على مثال النبغاء , لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من المنعوت كجمعهم الشريك شركاء , والعليم علماء . والحكيم حكماء , وما أشبه ذلك . وقد حكي سماعا من العرب في جمع النبي النبآء , وذلك من لغة الذين يهمزون النبيء , ثم يجمعونه على النبآء على ما قد بينت , ومن ذلك قول عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم . يا خاتم النبآء إنك مرسل بالخبر كل هدى السبيل هداكا فقال . يا خاتم النبآء , على أن واحدهم نبيء مهموز . وقد قال بعضهم : النبي والنبوة غير مهموز . لأنهما مأخوذان من النبوة , وهي مثل النجوة , وهو المكان المرتفع . وكان يقول أن أصل النبي الطريق , ويستشهد على ذلك ببيت القطامي : لما وردن نبيا واستتب بها مسحنفر كخطوط السيح منسحل يقول : إنما سمى الطريق نبيا , لأنه ظاهر مستبين من النبوة . ويقول . لم أسمع أحدا يهمز النبي . قال . وقد ذكرنا ما في ذلك وبينا ما فيه الكفاية إن شاء الله . ويعني بقوله : { ويقتلون النبيين بغير الحق } : أنهم كانوا يقتلون رسل الله بغير إذن الله لهم بقتلهم منكرين رسالتهم جاحدين نبوتهم .

    الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا

    القول في تأويل قوله تعالى : { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } وقوله : { ذلك } رد على " ذلك " الأولى . ومعنى الكلام : وضربت عليهم الذلة والمسكنة , وباءوا بغضب من الله , من أجل كفرهم بآيات الله , وقتلهم النبيين بغير الحق , من أجل عصيانهم ربهم , واعتدائهم حدوده ; فقال جل ثناؤه : { ذلك بما عصوا } والمعنى : ذلك بعصيانهم وكفرهم معتدين . والاعتداء : تجاوز الحد الذي حده الله لعباده إلى غيره , وكل متجاوز حد شيء إلى غيره فقد تعداه إلى ما جاوز إليه . ومعنى الكلام : فعلت بهم ما فعلت من ذلك بما عصوا أمري , وتجاوزوا حدي إلى ما نهيتهم عنه .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()