وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
 القول في تأويل قوله تعالى :  { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين }  قال أبو جعفر : ذكر أن أحبار اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه ; فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدقين بمحمد وبما جاء به , وإيتاء زكاة أموالهم معهم وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا . كما : 701 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن قتادة في قوله :  { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة }  قال : فريضتان واجبتان , فأدوهما إلى الله . وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته .  أما إيتاء الزكاة : فهو أداء الصدقة المفروضة ; وأصل الزكاة : نماء المال وتثميره وزيادته . ومن ذلك قيل : زكا الزرع : إذا كثر ما أخرج الله منه ; وزكت النفقة : إذا كثرت . وقيل : زكا الفرد , إذا صار زوجا بزيادة الزائد عليه حتى صار به شفعا , كما قال الشاعر : 
 كانوا خسا أو زكا من دون أربعة 
 لم يخلقوا وجدود الناس تعتلج 
 وقال آخر : 
 فلا خسا عديده ولا زكا 
 كما شرار البقل أطراف السفا 
 قال أبو جعفر : السفا : شوك البهمي , والبهمي : الذي يكون مدورا في السلاء . يعني بقوله : " ولا زكا " لم يصيرهم شفعا من وتر بحدوثه فيهم . وإنما قيل للزكاة زكاة وهي مال يخرج من مال لتثمير الله بإخراجها مما أخرجت منه ما بقي عند رب المال من ماله . وقد يحتمل أن تكون سميت زكاة لأنها تطهير لما بقي من مال الرجل , وتخليص له من أن تكون فيه مظلمة لأهل السهمان , كما قال جل ثناؤه مخبرا عن نبيه موسى صلوات الله عليه :  { أقتلت نفسا زكية }  18 74  يعني بريئة من الذنوب طاهرة , وكما يقال للرجل : هو عدل زكي لذلك المعنى . وهذا الوجه أعجب إلي في تأويل زكاة المال من الوجه الأول , وإن كان الأول مقبولا في تأويلها . وإيتاؤها : إعطاؤها أهلها . وأما تأويل الركوع : فهو الخضوع لله بالطاعة , يقال منه : ركع فلان لكذا وكذا : إذا خضع له , ومنه قول الشاعر : 
 بيعت بكسر لتيم واستغاث بها 
 من الهزال أبوها بعد ما ركعا 
 يعني : بعد ما خضع من شدة الجهد والحاجة . وهذا أمر من الله جل ثناؤه لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها بالإنابة والتوبة إليه , وبإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , والدخول مع المسلمين في الإسلام , والخضوع له بالطاعة . ونهي منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد تظاهر حججه عليهم بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا , وبعد الإعذار إليهم والإنذار , وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطفا منه بذلك عليهم وإبلاغا إليهم في المعذرة .