بتـــــاريخ : 3/14/2009 9:12:39 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 669 0


    تأسيس المجتمع المدني

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : الشيخ / سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    تأسيس المجتمع المدني

    كانت الهجرة أهم حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية . حيث ترتب عليها قيام الدولة ، واستقلالية الكيان السياسي للأمة ، ومن ثَمَّ الدفاع عن الإسلام ، ونشره بين العالمين تحقيقاً لعالمية الرسالة التي بعث بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك لم يتردد عمر ـ رضي الله عنه ـ لما أراد أن يدون التاريخ تحقيقاً لاستقلالية الأمة ، وتميز شخصيتها ، وأنها أمة متبوعة ، لا تابعة ، لم يتردد أن اتخذ مناسبة الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي .

    لقد بدأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ أن وطئت قدماه أرض المدينة يسعى إلى إنجاز المهام الملقاة على عاتقه في مطلع مرحلة جديدة من الدعوة تهدف إلى إنشاء الدولة الإسلامية على أسس راسخة .

    فكان بناء المسجد الخطوة الأولى على هذا الطريق .
    وقد اشترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كعادته مع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في بنائه ، يحفر كما يحفرون ، ويحمل الحجارة على كاهله كما يحملون ، ويرتجز كما يرتجزون ترويحاً على أنفسهم من عناء العمل . وقد ضاعف من حماس الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ رؤيتهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يعمل كأحدهم ، ويكره أن يتميز عليهم . وتم المسجد في حدود البساطة . فراشه الرمل والحصباء ، وسقفه الجريد ، وأعمدته الجذوع ، وربما أمطرت السماء فأوحلت أرضه ، وقد تفلت الكلاب إليه فتغدوا وتروح !

    بناء متواضع لا تكلف فيه ، إذ لم يكن من سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا من هدي أصحابه هذا التكلف الذي نراه اليوم في مساجدنا من زخرفة وتشييد ، وزينة وغلو ، وتباه وتفاخر . ورغم هذه البساطة التي بنى بها مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألا أنه سرعان ما غدا رمزاً لشمولية هذا الدين ، وكمال منهجه . كان مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مدرسة يتعلم فيها المسلمون أحكام دينهم ، ومعهداً يتربون فيه فتحسن أخلاقهم ، ومركزاً للتجمع ، ومحلاً للمؤتمرات ، ومكاناً لانعقاد الشورى. كان المسجد على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المحكمة التي يفزع إليها المتخاصمون ، ويتحاكم إليها المختلفون .

     وكان دار الإفتاء التي يهرع من أعياه حكم ، أو حيرته مسألة ، والنادي الذي يلتقي فيه المسلمون ، فيتعارفون ويتآلفون . بل كانت الجيوش تنطلق من المسجد ، والغنائم توزع في المسجد ، والجرحى ربما يمرضون في المسجد ، والأسرى ربما يربطون في المسجد ، والزكاة والصدقات توزع في المسجد . وكان المسافر يبدأ عند عودته بالمسجد ، ومن لا مأوى إليه بات في المسجد هذا مع كونه مكاناً للعبادة .

     فما من ساعة تمر من ليل أو نهار إلا وفيه راكع أو ساجد أو قارئ للقرآن . فأين من هذا مساجد المسلمين الآن التي أصبحت كمعابد اليهود ، وكنائس النصارى . تؤدي فيه الصلوات ثم تغلق ! وربما لا يدخلها الكثيرون إلا يوم الجمعة مضطرين !

    من أجل هذه الفروق الجوهرية التي تظهر من المقارنة إن صحت ، أخرج مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جيلاً لم تكتحل عين الزمان بمثلهم ، ملائكة البشر ومؤدبو الجبابرة ، وملوك الجنة ، فتحوا قلوب العباد وحصون البلاد ، أبر الأمة قلوباً ، وأعمقهم علماً ، وأقلهم تكلفاً ـ رضي الله عنهم .

    وأما الخطوة الثانية التي خطاها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على طريق تأسيس المجتمع المدني ، فقد تمثلت في المؤاخاة التي عقدها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين المهاجرين والأنصار .
    وذلك أن المهاجرين لما تركوا أوطانهم وديارهم وأموالهم وأهليهم وعشيرتهم ، واجهتهم مشاكل متنوعة ، اقتصادية واجتماعية وصحية فقد كانوا متمرسين في التجارة ، بينما يقوم اقتصاد المدينة على الزراعة والصناعة ، ثم إنهم لا أموال عندهم يتاجرون بها ، فقد تركوا الأموال بمكة ، كما تركوا الأهل والأصحاب مما أصابهم ولا شك بوحشة .

     بل إن مناخ المدينة نفسه لم يوافقهم فأصيب العديد منهم بالحمى كأبي بكر وبلال ـ رضي الله عنهما حتى صرفها الله عنهم بدعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم . لقد عالج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه المشكلات من خلال المؤاخاة التي أقامها بين المهاجرين والأنصار ، والتي كان معناها أن تذوب عصبية الجاهلية ، فلا حمية إلا للإسلام ، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن ، فلا يتقدم أحد ولا يتأخر إلا بمروءته وتقواه وقد جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الأخوة عقداً نافذاً ، لا لفظاً فارغاً يرتبط بالدماء والأموال ، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم بها أثر . وكانت عواطف الإيثار والمودة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال فمنذ أول لحظة والأنصار يتنافسون على المهاجرين فلم ينزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة .

     وقالت الأنصار للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل . قال لا ، قالوا : فتكفونا المؤونة ، ونشرككم في الثمرة ، قالوا سمعنا وأطعنا ، بل قالت الأنصار : يا رسول الله : إن شئت فخذ منازلنا ، فقال لهم خيراً . وابتنى لأصحابه في أرض وهبتها لهم الأنصار وأرض ليست ملكاً لأحد ، وقد أثرت هذه المعاملة الكريمة في نفوس المهاجرين ، حتى قالوا يا رسول الله : ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلاً في كثير ، لقد كفونا المؤونة ، وأشركونا في المهنأ ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله ! قال : لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم .

     لقد استحق الأنصار أن يخلد الله إكرامهم وإحسانهم في كتابه { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } … (الحشر: من الآية9) ومن أعجب مواقف الآخرة التي تفوق في حقيقتها المثال . ويغلب الواقع منها الخيال . ما رواه البخاري ـ رحمه الله ( أنهم لما قدموا المدينة آخي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع فقال : سعد لعبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالاً، فهو بيني وبينك نصفين ، ولي امرأتان فأنظر أعجبها إليك ! فسمِّها لي أطلقها . فإذا انقضت عدتها فتزوجها ! قال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ! أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع . فلم يرجع حتى رجع بسمن وأقط . قال : ورأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليَ أثر صفرة . فقال مهيم ؟ قلت تزوجت امرأة من الأنصار . فقال أولم ولو بشاه ) .

    ولا شك أن المرء يقف مبهوراً أمام هذه الصور الرائعة في الأخوة المتينة والإيثار المتبادل الذي لا نشهد له مثالاً في تواريخ الأمم الأخرى .وليس موقف ابن عوف في أنفته وكرم خلقه وعدم استغلاله لأخيه بأقل روعة من إيثار سعد بن الربيع !

    وأما الخطوة الثالثة التي خطاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على طريق تأسيس المجتمع المدني فقد تمثلت في إصدار وثيقة التحالف التي نظم بموجبها العلاقات بين المجتمع الإسلامي من جهة وبينه وبين اليهود من جهة أخرى ، باعتبارهم شركاء للمسلمين في سكنى المدينة.
    لقد ارتفعت هذه الوثيقة بالمسلمين عن المستوى القبلي المحدود فأقرت بأن المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ، أنهم أمة واحدة من دون الناس ، وهكذا أصبح الإسلام ملكاً لمن دخل فيه . فانصهرت شعوب كثيرة في الإسلام دون أن يضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمامهم عقبات تحول دون المساهمة في حضارته . ولقد أقرت هذه الوثيقة مفهوم الحرية الدينية بأوسع معانيه وضربت بعرض الحائط مبدأ التعصب ومصادرة الآراء والمعتقدات .

    وكان المتوقع أن يرحب اليهود بالإسلام ونبيه الذي يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ، أو على الأقل فليكونوا أبطأ من الوثنيين في مخاصمته لأنه يشيد بنبيهم ويوقره ، وينوه بكتابه ، ويطلب من اليهود أن ينفذوا أحكامه ، ويلتزموا حدوده ، لكن شيئاً من ذلك لم يكن . إذ بدا لليهود أن المعاهدة لا تحقق مطامعهم المبتغاة ، فاختاروا النقض على الوفاء ، والخيانة على الالتزام ، والانغلاق على مصالحهم القومية على الانفتاح على الأهداف العامة الكبيرة للأديان السماوية جمعاء . حتى إذا رآهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجمعين على التنكيل به وبدعوته . استدار إليهم وجرى بينه وبينهم من الوقائع ما أخزاهم الله به جزاءً وفاقاً على غدرهم .

    فأظهر يهود بني قينقاع الروح العدائية نحو المسلمين فأجلاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا لرفضهم للإسلام ، فقد كان يقبل التعايش السلمي معهم ، لكنهم خانوا . ومن بعدهم حاولت يهود بني النظير قتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأجلاهم . ثم خانت يهود بني قريظة العهد في أحرج اللحظات ولم يعتبروا بمن سبقهم ، فسعوا إلى حتفهم بأيديهم .

    وما زالوا يلدغون من نفس الجحر كل مرة ! حتى طهرت منهم الجزيرة بعد خيبر

    كلمات مفتاحية  :
    تأسيس المجتمع المدني

    تعليقات الزوار ()