بتـــــاريخ : 2/21/2009 7:00:24 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1334 0


    أوراق من ملف قضية المرأة (2)

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د.صهيب مصطفى العمادي | المصدر : www.qudwa1.com

    كلمات مفتاحية  :
    أوراق ملف قضية المرأة

     

    الثورة الصناعية هي (التغيرات التي طرأت على أساليب الإنتاج إثر إختراع الآلة البخارية في 1769م وتتمثل تلك التغيرات في إحلال الآلة محل الأيدي العاملة، وتقريب المسافات بالسكك الحديدية والسفن البخارية وظهور المصانع الكبيرة، وكان لذلك آثار عميقة من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية، فمن الناحية الإقتصادية زادت إنتاجية العمل زيادة كبيرة، واتسع نطاق المبادلات الداخلية والدولية وارتبطت أجزاء العالم بعضها ببعض، ومن الناحية الإجتماعية ظهرت التكتلات العمالية ووضحت الفوارق بين طبقات المجتمع، وكانت الثورة الصناعية تأكيدا لإنتهاء النظام الإقطاعي وبداية الرأسمالية الحديثة ).

     

    وقبل الخوض في تأثير الثورة الصناعية على المرأة ينبغي الإشارة إلى أنه رغم كل السلبيات التي كانت قائمة في الغرب والوضع المزري للمرأة، إلا أن الأوضاع الإقتصادية في عهدي الرق والإقطاع والتكتل الذي كان يسلتزمانه في البيئة الزراعية جعلا تكليف الرجل إعالة المرأة هو الأمر الطبيعي الذي تقتضيه الظروف، فضلاً عن أن المرأة كانت تعمل في المنزل في الصناعات البسيطة التي تتيحها البيئة الزراعية، فكانت تدفع ثمن إعالتها بهذا العمل .

     

    بدأ عصر النهضة في أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلادي .

     

    وتعتبر أحداث هذه المرحلة متسلسلة كل خطوة تؤدي إلى الأخرى وتتطور مشكلة المرأة فيها تدريجياً.. فبعد دخول أوروبا عصر النهضة وبعد قيام الثورة الصناعية وكذلك قيام الثورة الفرنسية في 1789م وعندما أُنشأت المصانع والمعامل تغيرت الأوضاع وانقلبت رأساً على عقب في الريف والمدينة على السواء، ويرى \"العقاد\" وبعض الباحثين أن الثورة الفرنسية كانت بداية لعصر جديد لحقوق المرأة في الغرب فقد بدأ العصر الحديث -بالنسبة لحقوق المرأة في الحضارة الغربية- منذ أيام الثورة الفرنسية إلا أن المرأة لم تنل حقوقها بعد الثورة مباشرة إذ كانت الثورة الفرنسية بداية للحديث عن حقوق المرأة وليس إعطاء الحقوق لها .

     

    فعندما جاءت الثورة الفرنسية التي قضت على الإقطاع رفعت شعار (الحرية – الإخاء - المساواة) فتذوق العبيد نوعاً من الحرية ومنها حرية التنقل والعمل فالتجأ معظمهم إلى المدينة ليعملوا في المصانع بعد أن كانوا مقيدين بالأرض مشدودين إليها، لقد أصبحوا أُجراء أحرار بعد أن كانوا من العبيد وصاروا يعملون ويقبضون في نهاية الأسبوع أجراً نقدياً يمسكون به في أيديهم وينفقونه كيف شاؤوا ليس لأحد عليهم سلطان .

     

    ولكن بالرغم من هذه الحرية في العمل والتنقل تفاجأ هؤلاء العمال حيث واجهتهم مصاعب الحياة وتعقيداتها في المدينة بخلاف حياة الريف المبنية على البساطة، فقد كانت ساعات العمل كثيرة والأجر المتقاضى لا يكفي لسد حاجاتهم الشخصية ناهيك عن إعالة عوائلهم لذلك فإن الأجر الضئيل الذي يتناوله ولا يكاد يفي بحاجته، لم يكن يسمح بأي حال بإنشاء أسرة في المدينة ذات التكاليف العالية، ومن ثم جاء العمال عزاباً إلى المدينة -وهم في سن الشباب والفتوة- أو إن كانوا متزوجين تركوا أسرهم في الريف وعاشوا في المدينة كالعزاب .

     

    وهذا الأمر أدى إلى تحريك مشكلة المرأة وذلك من خلال :

     

    1- تفكيك الأسرة: حيث اضطر العمال إلى ترك أسرهم وعوائلهم والإنتقال إلى المدينة للعمل، ولم يستطيعوا دعم ومساعدة أسرهم .

     

    2- القضاء على الصناعات المنزلية: فقد كانت المرأة قبل الثورة الصناعية تعمل في بعض الصناعات البسيطة وكان ذلك يعينها في إعالة نفسها، ولكن المصانع الكبيرة قدمت إنتاجاً أحسن وبأسعار أقل فقضت على تلك الصناعات المنزلية فتدهورت الأوضاع الإقتصادية للمرأة .

     

    3- تفاقم مشكلة الجنس: إذ أن العمال أصبحوا يواجهون مشكلة كيفية إشباع حاجة الجنس في ظل الظروف الصعبة التي لم تكن تسمح لهم بإنشاء أسر في المدينة ولا جلب أسرهم من الأرياف .

     

    هذه الظروف أدت إلى أولى الخطوات في قضية تحرير المرأة وهي \"عمل المرأة\" ولكن هذا العمل كان إضطرارياً وإجبارياً وليس عملاً إختيارياً وذلك لأسباب :

     

    السبب الأول: قيام العمال بسبب أوضاعهم السيئة بالإضراب عن العمل حيث بدأ العمال يضربون عن العمل جماعات يطلبون تخفيض ساعات العمل وزيادة الأجور.. واستُخدمت المرأة لضرب حركات العاملين من الذكور الذين أضربوا عن العمل وأُعطيت نصف الأجر وهي تعمل ذات القدر من العمل وذات العدد من الساعات .

     

    السبب الثاني: المرأة التي تركها عائلها في الريف وذهب إلى المدينة ولم يعد لها عائل غيره ولم يستطيع هو الآخر إعالتها، كما أن المصانع قضت على صناعتها، إضطرت هي الأخرى للخروج والعمل وإلا ماتت جوعاً .

     

    السبب الثالث: إندلاع الحروب وخصوصاً الحرب العالمية الأولى فقد جاءت هذه الحرب وقُتل فيها عشرة ملايين من الشباب الأوربيين والأمريكان وواجهت المرأة قسوة المحنة بكل بشاعتها، فقد وُجدت ملايين النساء بلا عائل، إما لأن عائلهن قد قتل في الحرب أو شوه أو فسدت أعصابه من الخوف والذعر والغازات السامة الخانقة، وإما لأنه خارج من حبس السنوات الأربع يريد أن يستمتع ويرفه عن أعصابه ولا يريد أن يتزوج ويعول أسرة تكلفه جهداً من المال والأعصاب .

     

    ولم تكن المسألة مسألة الجوع إلى الطعام فحسب فالجنس حاجة بشرية طبيعية لابد لها من إشباع، ولم يكن في وسع الفتيات أن يشبعن حاجتهن الطبيعية ولو تزوج كل من بقى حياً من الرجال بسبب النقص الهائل الذي حدث في عدد الرجال نتيجة الحرب، ولم تكن عقائد أوروبا وديانتها تسمح بالحل الذي وضعه الإسلام لمثل هذه الحالة الطارئة وهو تعدد الزوجات لذلك لم يكن بد للمرأة أن تسقط راضية أو كارهة لتحصل على حاجة الطعام وحاجة الجنس ..

     

    هكذا كان تدرج قضية المرأة وتفاقم مشكلتها الإقتصادية وهكذا كان دخولها لميدان العمل وتبين أنها لم تخرج من البيت للعمل برغبتها وإنما أجبرتها الظروف على الخروج .

     

    أما حق التعليم فكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي حيث ظلت المرأة في القارة الأوروبية إلى القرن التاسع عشر وهي محرومة من الإستقلال من زوجها في إدارة ثروتها أو مباشرة عمل من أعمال الحياة العامة، ولكنها في منتصف القرن التاسع عشر أخذت نصيباً من التعليم والتفت العلية والأوساط إلى تعليم بناتهم كما يعلمون أبناءهم، ثم تقرر التعليم الإجباري للبنات بعد إنتصاف القرن بنحو عشرين سنة .

     

    هذه الظروف مهدت الأجواء للخطوة التالية وهي الحقوق الاقتصادية وخاصة المطالبة بالمساواة مع الرجل في الأجر على العمل المتساوي، فبسبب إزدراء أوضاعها واستغلال أصحاب المصانع لها من جهة وبسبب تعلمها وتثقّفها من جهة أخرى أخذت المرأة تطالب بهذه المساواة .

     

    لقد قوبلت طلبات المرأة منذ أوائل قيام الثورة الفرنسية بالرفض والمحاربة، لقد قام في أثناء الثورة الفرنسية بعض الذين حاولوا أن ينادوا بحقوق المرأة.. ولكن بالرغم من كل هذا كان نصيب كل حركة فكرية إتجهت هذا الإتجاه القمع السريع والكبت العاجل بشدة وعنف.. ومثال ذلك أن حكومة الثورة قد حلت جميع الهيئات التي أقامتها النساء، فكل النوادي والجمعيات والهيئات السياسية التي أسسها النساء في فرنسا قد حلّت وحُظر بقاؤها.. لذلك فقد مضى بين الكلام على حرية المرأة وبين الشروع في توسيع حقوقها القانونية زهاء قرن من الزمن. وكان البدء بهذه الخطوة الجديدة في بلاد غير بلاد الثورة الفرنسية وهي البلاد الإنجليزية.. ولعل قيام ملكة على عرش إنجلترا كان له من الشأن في تعجيل خطوات الحرية النسوية ما لم يكن للبحوث والآراء ودعوات الإصلاح .

     

    وبسبب رفض مطالب المرأة واستمرار معاناتها بدأت القضية تأخذ بعداً آخر وهو البعد السياسي فطالبت المرأة بالمساواة في حق التصويت وذلك كي تختار من يدافع عن حقوقها، ثم طالبت بعد ذلك بالمساواة في حق الترشيح ودخول المجالس النيابية وتولى المسؤوليات وبعد ذلك تطورت القضية لتتحول إلى المطالبة بالمساواة في تولي المناصب العليا، وذلك كله لكي تحدّ من هيمنة الرجل ووقوفه في طريق نيلها لحقوقها .

     

    وبعد صراعات طويلة ورحلة شاقة تمكنت المرأة من نيل هذه الحقوق شيئاً فشيئاً، وبلغ التطور ذروته فيما يتعلق بحقوق المرأة بعقد الاتفاق الدولي الذي صادقته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1952 الذي ينص صراحة على حق المرأة الكامل ومساواتها بالرجل في حق التصويت والترشيح وشغل المناصب العامة ولم تنل المرأة حق المساواة في الأجر مع الرجل في أمريكا إلا سنة 1963م .

     

    وقد شهد القرن العشرين تأسيس العديد من المنظمات النسوية وسن الكثير من القوانين والإتفاقيات الدولية لمناصرة حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة المطلقة مع الرجل في جميع الحقوق والمجالات، وأخذت هذه الحقوق بعداً عالمياً ضمن حركة فكرية منظمة يطلق عليها \"الحركة الأنثوية Feminism\".

     

    وبعد هذا العرض السريع لتطور قضية المرأة في الغرب تنبغي الإشارة إلى أن المرأة تمكنت من نيل بعض الحقوق واستطاعت إعتلاء بعض المناصب بعد صراع مرير وكسبت بعض الحقوق السياسية والثقافية ولكن النموذج الغربي لتحرير المرأة لم يخل من السلبيات بل إن الشقاء الذي حل بالمرأة -والمجتمع الغربي عموماً- أكبر بكثير من تلك الحقوق التي نالتها المرأة وهذا ما يجعل من الضروري إجراء تقييم للنموذج الغربي لتحرير المرأة، وهو بإذن الله موضوع مقالنا القادم ..

     

     

     

    المصادر :

     

    1. د.هبة رؤوف عزت ود. نوال السعداوي، المرأة والدين والأخلاق، دار الفكر، دمشق، ط1، 2000

     

    2. محمد قطب، شبهات حول الإسلام، دار الشروق، بيروت، 1995

     

    3. إسماعيل مظهر، المرأة في عصر الديمقراطية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة .

     

    4. عباس محمود العقاد، المرأة ذلك اللغز، دار الكتاب العربي، بيروت، 1970

     

    5. محمد قطب، مذاهب فكرية معاصرة، دار الشروق، بيروت، ط2، 1987

     

    6. د.فتنت مسيكة بر، حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعية العالمية لحقوق الإنسان، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 1992

    7. د. شذى سليمان الدركزلي، المرأة المسلمة في مواجهة التحديات، روائع مجدلاوي، عمان، ط1997 1

    كلمات مفتاحية  :
    أوراق ملف قضية المرأة

    تعليقات الزوار ()