بتـــــاريخ : 11/8/2008 12:55:42 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1790 0


    إسلام الزوجة وبقاء الزوج على دينه

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :

    شرع الله الزواج مودة ورحمة بين الرجل والمرأة ، وهذا مما امتن الله تعالى به على الإنسانية بأسرها ، لا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم .
        وقد وضع الإسلام أسس الزواج وضوابطه التي بها يتم بين المسلمين ، وأقر غير المسلمين على أنكحتهم ، لكن إذا أسلم أحد الزوجين أو أسلما معًا فهنا تنشأ لدينا صور متعددة تختلف باختلافها الأحكام:
        فإذا أسلم الزوجان معًا ، ولم تكن الزوجة ممن يحرم عليه ابتداء الزواج بها – كالمحرمة بنسب أو رضاع – فهما على نكاحهما الأول سواء كان هذا قبل الدخول أو بعده ؛ لأن الشرع قد أقر الكفار على أنكحتهم كما قلنا ، فهم يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا , من غير أن يُنظر إلى صفة عقدهم وكيفيته , ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين , من الولي , والشهود , وصيغة الإيجاب والقبول , وأشباه ذلك . بلا خلاف بين المسلمين ، وقد أسلم خلق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم , وأقروا على أنكحتهم , ولم يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح , ولا كيفيته , وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة , فكان يقينًا(1) .
        قال ابن عبد البر : " أجمع العلماء أن الزوجين إذا أسلما معًا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما إلا أن يكون بينهما نسب أو رضاع يوجب التحريم ، وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا أسلما معًا ، وأصل العقد معفي عنه لأن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا كفارًا فأسلموا بعد التزويج ، وأقروا على النكاح الأول ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام وهذا إجماع وتوقيف "(2) .
        وكذلك إذا أسلم الزوج وحده ، وكانت الزوجة من أهل الكتاب ، ولم تكن ممن يحرم عليه ابتداء ، فهما على نكاحهما الأول سواء كان قبل الدخول أو بعده ؛ لأن نكاح الكتابيات مباح لنا ، دل على ذلك قوله تعالى : {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}(3) ، فالكتابية محل لنكاح المسلم ابتداء فكذا بقاء ، لكن المسألة الشائكة هي : إذا أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه .
        وقد اتفق الفقهاء على أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج غير مسلم ابتداء ، وإذا وقع مثل هذا الزواج وقع باطلاً ، ولكن ما الحكم الشرعي إذا كان الزوجان في الأصل غير مسلمين ، ثم أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه ؟
        والذي اخترناه للفتوى هو : أن الزوجة إذا أسلمت ، وكان إسلامها قبل الدخول ، فتتعجل الفرقة ؛ لأن هذا هو الأصل ، ولا تظهر هنا مصلحة راجحة تصرفنا عنه ، وإن كان إسلامها بعد الدخول، وأسلم زوجها قبل انقضاء عدتها ، فهما على نكاحهما ، وإن انقضت العدة ، ولم يسلم الزوج خلالها ، فلها مطلق الحرية في الاختيار ، فإن اختارت أن تتزوج من تشاء فلها ذلك ، لكن لابد أن ترفع الأمر إلى القاضي لكي يفسخ عقد النكاح ، وإن اختارت أن تتربص وتنتظر إسلامه ولو طالت المدة فلها ذلك ، ويعتبر في هذه الحالة النكاح موقوفًا ، فإن أسلم فهما على نكاحهما الأول ، دون الحاجة إلى تجديد عقد النكاح ، مع اعتبار وقوع الانفصال الحسي وتوقف المعاشرة الزوجية بينهما من أول إسلامها.
        وهذا الرأي قال به ابن تيمية ، وابن القيم .
    واستُدل على ذلك بعدة أدلة :
    أولها : ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب ابنته على أبي العاص بالنكاح الأول . فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنته على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئًا)(4). وفي لفظ (لم يحدث صداقاً)(5). وفي لفظ آخر (لم يحدث شهادة ولا صداقاً)(6). وفي لفظ (لم يحدث نكاحاً)(7).
        وفي رواية (بعد ست سنين)(8). وفي رواية (بعد سنتين)(9).
        قال الخطابي عن هذا الحديث : هو أصح من حديث عمرو بن شعيب ، وكذا قال البخاري. قال ابن كثير في الإرشاد : هو حديث جيد قوي(10) .
        وقال الترمذي في كتابه العلل : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذين الحديثين – أي حديث ابن عباس وحديث عمرو بن شعيب – فقال : حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(11) ، وقال الدارقطني في حديث عمرو بن شعيب هذا : لا يثبت ، والصواب حديث ابن عباس(12) ، وهذا الحديث صححه أيضًا ابن حزم(13) .
        فدل فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا ، على أن رد المرأة علـى زوجهـا بعد إسلامـه لا يحتاج إلى تجديد وإن طال الزمان وانقضت العدة .
        وأما ما روي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه ردها بنكاح جديد ، فقد جاء بلفظين :
    الأول : أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ردّ ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد (14).
    الثاني : أسلمت زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قبل زوجها أبي العاص بسنة ، ثم أسلم فردها النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد(15)
         ومدار هذا الحديث بلفظيه على الحجاج بن أرطأة ، فهو راويه عن عمرو بن شعيب ، وقد كان مدلسًا قبيح التدليس ، يدلس عن المجروحين .
        فعن يحيى بن سعيد القطان أن حجاجًا لم يسمعه من عمرو وإنه من حديث محمد بن عبد الله العرزمي عن عمرو ، قال البيهقي :  فهذا وجه لا يعبأ به أحد يدري ما الحديث (16) .
        وقال أحمد عنه : هذا حديث ضعيف أو قال واه ، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمي ، والعرزمي لا يساوي حديثه شيئًا ، والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول(17) .
        وهذا الحديث ضعّفه الترمذي أيضًا ، وقال : في إسناده مقال(18) .
        وقال الدارقطني عن هذا الحديث : هذا لا يثبت ، وحجاج لا يحتج به ، والصواب حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الأول(19) .
        وكانت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أسلمت منذ أول البعثة، وقد حكى ابن حزم الإجماع على ذلك ، ولم تهاجر إلى المدينة مع أبيها صلى الله عليه وسلم، بل بقيت بمكّة مع زوجها أبي العاص ، وهاجرت بعد غزوة بدر بقليل في السنة الثانية بعد الهجرة، ولم ينزل تحريم المسلمات على الكفّار إلاّ بعد الحديبية سنة ستّ من الهجرة، عندما وفدت بعض النساء المسلمات مهاجرات وطلبت قريش إرجاعهنّ إليها عملًا بصلح الحديبية ، فنزلت الآية: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}(20) . وأسلم أبو العاص بعد الحديبية بسنتين أي في السنة الثامنة للهجرة ، كما أخرج ابن عساكر عن الزهري قال : " ولم يزل أبو جندل وأبو بصير وأصحابهما الذين اجتمعوا إليهما هنالك(21) حتى مر بهم أبو العاص بن الربيع وكانت تحته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام في نفر من قريش فأخذوهم وما معهم وأسروهم ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبى العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو العاص يومئذ مشرك وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد لأمها وأبيها وخلوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة على امرأته وهي بالمدينة عند أبيها كان أذن لها أبو العاص حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسر أبو جندل وأبو بصير وما أخذوا لهم فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب الناس وقال إنا صاهرنا ناسا وصاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه وأنه أقبل من الشام في أصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو بصير فأسروهم وأخذوا ما كان معهم ولم يقتلوا منهم أحدًا وإن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه فقال الناس نعم فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى رد إليهم كل شيء أخذ منهم حتى العقال"(22) . ومما هو معلوم أن هذه السرية كانت في السنة الثامنة للهجرة .
        وقد اختار ابن كثير أن إسلام أبي العاص قد تأخر عن وقت تحريم المؤمنات على الكفار بسنتين ، وقال : " كان إسلامه في سنة ثمان لا كما في كلام الواقدي من أنه سنة ست "(23) .
        وقال ابن حجر في الفتح : " وأغرب ابن حزم فقال ما ملخصه : إن قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما ، وإلا فإسلام أبي العاص كان قبل الحديبية ، وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك ، هكذا زعم ، وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازي أن إسلامه كان في الهدنة بعد نزول آية التحريم "(24) .
        وثاني الأدلة : ما روي عن ابن عباس قال : (أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجت فجاء زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد كنت أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول) .
        وفي لفظ : أن رجلًا جاء مسلمًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته مسلمة فقال يا رسول الله ! إنها كانت أسلمت معي فردها علي فردها عليه(25) .
        والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل علمت زوجته بإسلامه قبل انقضاء عدتها أم لا، مما يدل على أن العدة لا اعتبار لها، وذلك بناء على القاعدة الأصولية التي تقول: إن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ويحسن به الاستدلال(26). والاحتمال هنا قائم، هل علمت بإسلامه قبل انقضاء العدة أم بعدها، ومع ذلك لم يستفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عموم هذا الحكم للحالين وأنه لافرق بين أن يقع الرد قبل انقضاء العدة أو بعدها.
        وثالث الأدلة : ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : (كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه ، وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر ، فإذا طهرت حل لها النكاح ، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه ، وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين)(27) .
        ومعنى ذلك : أنّ نكاحها الأول يبقى قائمًا ولكنّه موقوف - بمعنى عدم حلّ المعاشرة الزوجية بينهما - حتّى إذا تزوّجت من آخر انحلّ العقد الأول، وإذا أسلم زوجها قبل أن تتزوّج غيره رُدّت إليه.     
        ورابع الأدلة : ما روي عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال : أسلمت امرأة من أهل الحيرة ولم يسلم زوجها فكتب فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن خيروها ، فإن شاءت فارقته ، وإن شاءت قرت عنده (28). وليس معنى ذلك أن تقيم تحته وهو غير مسلم ، بل إن هذا دال على أن المرأة لها أن تنتظر وتتربص بإسلام زوجها ، فمتى يسلم فهي امرأته ، ولو مكثت سنين ، طالما أنها اختارت هذا .
        فإن اعترض على هذا بأنه لعله اجتهاد من عمر رضي الله عنه ، أُجيب : بأنه فعله بمحضر الصحابة من غير اعتراض من أحد ، ولو حدث لنقل.
        وخامس الأدلة : أن المرأة كانت تسلم ثم يسلم زوجها بعدها والنكاح بحاله مثل أم الفضـل امـرأة العباس بـن عبد المطلب فإنها أسلمت قبل العباس بمدة ، قال عبد الله بن عباس كنت أنا وأمي ممن عذر الله بقوله: {إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}(29) .
        وسر المسألة كما يرى ابن القيم أن العقد في هذه المدة جائز لا لازم ولا محذور في ذلك ولا ضرر على الزوجة فيه ولا يناقض ذلك شيئا من قواعد الشرع ، وذلك بخلاف الرجل إذا أسلم وتحته كافرة وامتنعت عن الإسلام ، فإن إمساكه لها يضر بها ولا مصلحة لها فيه ، فإنه إذا لم يقم لها بما تستحقه كان ظالما فلهذا قال تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فنهى الرجال أن يستديموا نكاح الكافرة فإذا أسلم الرجل أمرت امرأتـه بالإسلام فإن لم تسلم فـرق بينهما(30) .
        وقد اختلف الفقهاء قديمًا في هذه المسألة ، ولهم فيها آراء عدة ، وسوف نبدأ بعرض هذه الآراء والمذاهب ومناقشتها :
        رأي الظاهرية وأبو ثوروحكاه أبو محمد بن حزم عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وحماد بن زيد والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعدي بن عدي وقتادة والشعبي :-
        أن النكاح ينفسخ بمجرد الإسلام ، سواء أسلم الزوج بعدها بطرفة عين أو أكثر أو لم يسلم , ولا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد بعد إسلامه وبرضاها(31).
    واستدلوا على ذلك بأدلة :
        أحدها : قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَـا أَنفَقُـوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}(32) ، قال ابن حزم : فهذا حكم الله الذي لا يحل لأحد أن يخرج عنه , فقد حرم الله تعالى رجوع المؤمنة إلى الكافر ، وصرح سبحانه وتعالى بأن نكاحها مباح لنا , فهذا صريح في انقطاع العصمة بإسلامها ، وصح أن الذي يسلم مأمور بأن لا يمسك عصمة كافرة , فصح أن ساعة يقع الإسلام , أو الردة , فقد انقطعت عصمة المسلمة من الكافر , وعصمة الكافرة من المسلم - سواء أسلم أحدهما وكانا كافرين , أو ارتد أحدهما وكانا مسلمين ، فهذه الآية ضمت مجموعة من الأدلة .
        وثانيها : قول النبي صلى الله عليه وسلم : " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " فكل من أسلم فقد هجر الكفر الذي قد نهي عنه فهو مهاجر(33) .
    ويُناقش ذلك بما يلي :
        أولاً : ليس في الآية ما يقتضي تعجيل الفرقة ، فقوله تعالى : } فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ { إنما يدل على النهي عن رد النساء المهاجرات إلى الله ورسوله إلى الكفار ، فأين في هذا ما يقتضي أنها لا تنتظر زوجها حتى يصير مسلمًا مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم ترد إليه ؟! ، وكذلك قوله تعالى : } لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ { إنما فيه إثبات التحريم بين المسلمين ، والكفار وأن أحدهما لا يحل للآخر ، وليس فيه أن أحدهما لا يتربص بصاحبه الإسلام فيحل له إذا أسلما ، وقوله تعالى : } وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ { فهذا خطاب للمسلمين ورفع للحرج عنهم أن ينكحوا المؤمنات المهاجرات إذا بِنَّ من أزواجهن وتخلين عنهم ، وهذا إنما يكون بعد انقضاء عدة المرأة واختيارها لنفسها ، ولا ريب أن المرأة إذا انقضت عدتها تخير بين أن تتزوج من شاءت وبين أن تقيم حتى يسلم زوجها ، فترجع إليه إما بالعقد الأول على ما نصرناه ، وإما بعقد جديد على قول من يرى انفساخ النكاح بمجرد انقضاء العدة ، فلو أنا قلنا إن المرأة تبقى محبوسة على الزوج لا نمكنها أن تتزوج بعد انقضاء العدة شاءت أم أبت لكان في الآية حجة علينا ، ونحن لم نقل ذلك ولا غيرنا من أهل الإسلام ، بل هي أحق بنفسهـا ، إن شاءت تزوجت وإن شاءت تربصت ، وأما قولـه تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} فإنما تضمن النهي عن استدامة نكاح المشركة والتمسك بها وهي مقيمة على شركها وكفرها ، وليس فيه النهي عن الانتظار حتى تسلم ثم يمسك بعصمتها .
        فإن قيل : فهو في التربص ممسك بعصمتها ، قلنا : ليس كذلك ، بل هي متمكنة بعد انقضاء عدتها من مفارقته والتزوج بغيره ، ولو كانت العصمة بيده لما أمكنها ذلك .
        وأيضا فالآية إنما دلت على أن الرجل إذا أسلم ولم تسلم المرأة أنه لا يمسكها ، بل يفارقها ، فإذا أسلمت بعده فله أن يمسك بعصمتها وهو إنما أمسك بعصمة مسلمة لا كافرة(34) .
        ثانيًا : الحديث الشريف السالف ذكره ، ليس فيه ما يفيد أن الزوج إذا أسلم بعد زوجته في عدتها أو بعد انقضائها أنه يحتاج إلى عقد جديد .
        ثم إن هذا القول قول في غاية الضعف ؛ لأنه خلاف المعلوم المتواتر من شريعة الإسلام ، فإنه قد علم أن المسلمين الذين دخلوا في الإسلام كان يسبق بعضهم بعضا بالتكلم بالشهادتين ، فتارة يسلم الرجل وتبقى المرأة مدة ثم تسلم ، كما أسلم كثير من نساء قريش وغيرهم قبل الرجال ، وتارة يسلم الرجل قبل المرأة ثم تسلم بعده بمدة قريبة أو بعيدة .
        فإن قيل هذا دليل قد تطرق إليه الاحتمال، وهو احتمال أن يكون هذا قبل تحريم نكاح المشركين، قلنا: لقد أسلم الناس ودخلوا في دين الله أفواجًا بعد نزول تحريم المشركات ونزول النهي عن التمسك بعصم الكوافر ، فأسلم الطلقاء بمكة ، وهم خلق كثير وأسلم أهل الطائف ، وهم أهل مدينة ،وكان إسلامهم بعد أن حاصرهم النبي ،ونصب عليهم المنجنيق ، ولم يفتحها ، ثم قسم غنائم حنين بالجعرانة ، واعتمر عمرة الجعرانة ، ثم رجع بالمسلمين إلى المدينة ، ثم وَفَد وَفْد الطائف فأسلموا ونساؤهم بالبلد لم يسلمن ، ثم رجعوا وأسلم نساؤهم بعد ذلك ، فمن قال إن إسلام أحد الزوجين قبل الآخر يوجب تعجيل الفرقة قبل الدخول أو بعده فقوله مقطوع بخطئه ، ولم يسأل النبي أحدا ممن أسلم هل دخلت بامرأتك أم لا بل كل من أسلم وأسلمت امرأته بعده فهي امرأته من غير تجديد نكاح ، وقد قدم عليه وفود العرب وكانوا يسلمون ثم يرجعون إلى أهليهم فيسلم نساؤهم على أيديهم بعد إسلام أزواجهن ، وبعث عليًا ومعاذًا وأبا موسى إلى اليمن فأسلم على أيديهم من لا يحصيهم إلا الله من الرجال والنساء ، ومعلوم قطعا أن الرجل كان يأتيهم فيسلم قبل امرأته والمرأة تأتيهم فتسلم قبل الرجل ، ولم يقولوا لأحد ليكن تلفظك وتلفظ امرأتك بالإسلام في آن واحد لئلا ينفسخ النكاح ، ولم يفرقوا بين من دخل بامرأته وبين من لم يدخل ، ولا حدوا ذلك بثلاثة قروء ثم يقع الفسخ بعدها(35) .

        وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن إسلام الزوجة إن كان قبل الدخول وقعت الفرقة في الحال ، وإن كان بعد الدخول توقفت الفرقة على انقضاء العدة ، فإن أسلم زوجها قبل انقضاء العدة بقيا على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة وقعت الفرقة بينهما ، وبه قال الأوزاعي , والليث , والزهري , وإسحاق :-
        قال النفراوي المالكي : " وأما لو أسلمت الزوجة ابتداء فإن كان قبل البناء بانت مكانها , وإن كان بعد البناء أقر عليها إن أسلم في عدتها لا إن تأخر إسلامه عن عدتها فلا يقر عليها لبينونتها بانقضاء عدتها "(36) .
        وفي المنهاج وشرحه للرملي من كتب الشافعية : " ( ولو أسلمت ) زوجة كافرة ( وأصر ) زوجها على كفره كتابيا كان , أو غيره ( فكعكسه ) المذكور فإن كان قبل نحو وطء تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم في العدة دام نكاحه , وإلا فالفرقة من حين إسلامها وهي فيهما فرقة فسخ لا طلاق لأنها بغير اختيارهما "(37) .
        وفي الإقناع وشرحه للبهوتي من كتب الحنابلة : " ( وإن أسلمت كتابية ) تحت كتابي أو غير كتابي , ( أو ) أسلم ( أحد الزوجين غير الكتابيين ) كالمجوسيين والوثنيين ( قبل الدخول انفسخ النكاح ) لقوله تعالى : } لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ { ، ( وإن أسلم أحدهما ) أي الزوجين ( بعد الدخول وقف الأمر على فراغ العدة , فإن أسلم الآخر فيها بقي النكاح ) ( وإلا ) أي وإن لم يسلم الآخر في العدة ( تبينا فسخه منذ أسلم الأول ) لأن سبب الفرقة اختلاف الدين فوجب أن تحسب الفرقة منه كالطلاق "(38) .  
    واستدلوا على ذلك بأدلة :
        أولها : ما روى عن ابن شُبْرُمَة أنه قال : " كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله , فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته , وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما "(39) .
        وثانيها : ما روي عن الزهري : أن زوجة صفوان بن أمية أسلمت ثم أسلم صفوان فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، قال ابن شهاب : وكان بينهما نحو من شهر . قال ابن عبد البر : شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده ، وقال ابن شهاب : أسلمت أم حكيم وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن فارتحلت إليه ودعته إلى الإسلام فأسلم , وقدم فبايع النبي صلى الله عليه وسلم فبقيا على نكاحهما(40) .
        وثالثها : قال الزهري : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل انقضاء عدتها(41) .
    ويرد ذلك بما يلي :
        أولًا : ما روي عن ابن شُبْرُمة ، فهو معضل الإسناد ؛ لأن ابن شُبْرُمة غالب رواياته عن التابعين(42)
        ثانيًا : خبر صفوان رواه مالك في الموطأ(43) ، والبيهقي في السنن الكبرى(44) ، وهو مرسل فلا يعارض به المرفوع.
        وكذلك خبر عكرمة رواه مالك في الموطأ(45) ، والبيهقي في السنن الكبرى(46) ، وهو مرسل كسابقه .
        ثالثًا : وقول ابن شهاب الزهري أخرجه مالك في الموطأ(47) ، والبيهقي في الكبرى(48) ، وقال الطحاوي : وهو منقطع لا يصح الاحتجاج به في الأصول ، كما في مختصر اختلاف العلماء(49) .
        ويشكل على هذا كله الحديث الذي ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها بالنكاح الأول .
        ثم إن اعتبار الفرقة بانقضاء العدة رده طائفة من أهل العلم وأنكروه :
        فقد قال ابن الهمام من الحنفية : " إن اعتبار انقضاء العدة قبل الفرقة ، لا نظير له في الشرع، ولا أصل يصح القياس عليه "(50) .
        وقال ابن حزم  : " من أين لكم أن المراعى في أمر أبي العاص وأمر هند وامرأة صفوان وسائر من أسلم إنما هو العدة ؟ ومن أخبركم بهذا ؟ وليس في شيء من هذه الأخبار كلها ذكر عدة ، ولا دليل عليه أصلًا "(51) .
        وقال ابن القيم : " وأما مراعاة زمن العدة فلا دليل عليه من نص ولا إجماع "(52) .
        وقال أيضًا : " وبالجملة فتجديد رد المرأة على زوجها بانقضاء العدة ، لو كان هو شرعه الذي جاء به  صلى الله عليه وسلم ، لكان هذا مما يجب بيانه للناس من قبل ذلك الوقت فإنهم أحوج ما كانوا إلى بيانه "(53) .
        وقال كذلك : " ولا يحفظ اعتبار العدة عن صاحب واحد البتة ، وأرفع ما فيه قول الزهري الذي رواه مالك عنه في الموطأ "(54) .
        بل إن ابن مفلح الحنبلي ذكر في الفروع عن بعض متأخري الحنابلة قولهم : " إنما نزل تحريم المسلمة على الكافر بعد صلح الحديبية , ولما نزل التحريم أسلم أبو العاص فردت عليه زينب , ولا ذكر للعدة  في حديث , ولا أثر لها في بقاء النكاح , وكذا أيضا لم ينجز عليه السلام الفرقة في حديث , ولا جدد نكاحًا "(55) .

     
    رأي الحنفية يُفرِّقون بين دار الإسلام ودار الحرب ، ولا يُفرِّقون بين المدخول بها وغير المدخول بها .
        فإذا كان ذلك في دار الإسلام ، والزوج من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب ، يُعرض عليه الإسلام ، فإن أسلم بقيا على نكاحهما وإلا فرَّق القاضي بينهما(56).
    واستدلوا على ذلك بأدلة: 
        أولها : ما روي أن رجلًا من بني تَغْلِب أسلمت امرأته , فعرض عمر رضي الله عنه عليه الإسلام , فامتنع , ففرق بينهما , وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم , فيكون إجماعًا . ولو وقعت الفرقة بنفس الإسلام لما وقعت الحاجة إلى التفريق(57) .
        ثانيها : أن الإسلام لا يجوز أن يكون مبطلًا للنكاح ; لأنه عرف عاصما للأملاك , فكيف يكون مبطلًا لها , ولا يجوز أن يبطل بالكفر أيضا ; لأن الكفر كان موجودًا منهما , ولم يمنع ابتداء النكاح , فلأن لا يمنع البقاء أسهل وأولى ، وكذلك اختلاف الدين فإنه بعينه ليس بسبب لإبطال النكاح ، كما لو كان الزوج مسلمًا والمرأة كتابية ، إلا أنا لو بقينا النكاح بينهما لا تحصل المقاصد ; لأن مقاصد النكاح لا تحصل إلا بالاستفراش , والكافر لا يمكن من استفراش المسلمة , والمسلم لا يحل له استفراش المشركة والمجوسية لخبثهما , فلم يكن في بقاء هذا النكاح فائدة , إذن فتفريق القاضي بينهما يكون عند إباء الإسلام ، وهذا هو السبب الموجب للفرقة(58) .
    وإذا كان في دار الحرب ، فتتوقف الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيضات ، إن كانت ممن تحيض ، أو تمضي ثلاثة أشهر ، فإذا أسلم الزوج خلال هذه المدة فالنكاح باق ، وإلا وقعت الفرقة(59)، وهذه المدة ليست بعدة ؛ لأنها تشمل غير المدخول بها كما بيَّنا .
    واستدلوا على ذلك :
        بأن مجرد إسلام أحدهما غير موجب للفرقة , ولا كفر من أصر منهما على الكفر , ولا اختلاف الدين نفسه كما بينا في دار الإسلام , إلا أن في دار الإسلام يمكن تقرير سبب الفرقة بعرض القاضي الإسلام على الآخر منهما حتى إذا أبى فـرَّق بينهما , وفي دار الحرب لا يتأتى ذلك ; لفقد الولي الذي يعرض عليه الإسلام ، فتُقام ثلاث حيضات مقام ثلاث عرضات من القاضي في تقرر سبب الفرقة(60)
        وإذا كان الزوجان من أهل دار الحرب ، وأسلم أحدهما ، وخرج إلى دار الإسلام ، تقع الفرقة لاختلاف الدارين(61) .
    واستدلوا على ذلك بأدلة :
        أولها : آية سورة الممتحنة } فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ.....الآية { . قال أبو بكر الجصاص : في هذه الآية ضروب من الدلالة على وقوع  الفرقة باختلاف الدارين بين الزوجين هي : قوله : } فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ { ولو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد , وقولـه : } لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ { وقوله : } وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا {  ; لأنه أمر برد مهرها على الزوج , ولو كانت الزوجية باقية لما استحق الزوج رد المهر ; لأنه لا يجوز أن يستـحق البضع وبدلـه , وقولـه : } وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ  { ولو كان النكاح الأول باقيا لما جاز لها أن تتزوج ويدل عليه قوله : } وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ { والعصمة المنع , فنهانا أن نمتنع من تزويجها لأجل زوجها الحربي(62) .
    ثانيها : قصة سبايا أوطاس :
        عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ { أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن(63) .
        واتفق الفقهاء على جواز وطء المسبية بعد الاستبراء , وإن كان لها زوج في دار الحرب إذا لم يسب زوجها معها , فلا يخلو وقوع الفرقة من أن يتعلق بإسلامها أو باختلاف الدارين على الحد الذي بينا أو بحدوث الملك عليها , وقد اتفق الجميع على أن إسلامها لا يوجب الفرقة في الحال ; وثبت أيضا أن حدوث الملك لا يرفع النكاح بدلالة أن الأمة التي لها زوج إذا بيعت لم تقع الفرقة . وكذلك إذا مات رجل عن أمة لها زوج لم يكن انتقال الملك إلى الوارث رافعًا للنكاح , فلم يبق وجه لإيقاع الفرقة إلا اختلاف الدارين .
        فإن قيل : اختلاف الدارين لا يوجب الفرقة ; لأن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمـان لـم يبطل نكاح امرأته , وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين زوجته , وكذلك لو أسلم الزوجان في دار الحرب ثم خرج أحدهما إلى دار الإسلام لم تقع الفرقة , فسلمنا أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيجاب الفرقة . قيل له : ليس معنى اختلاف الدارين ما ذهبت إليه , وإنما معناه أن يكون أحدهما من أهل دار الإسلام إما بالإسلام أو بالذمة والآخر من أهل دار الحرب فيكون حربيًا كافرًا , فأما إذا كانا مسلمين فهما من أهل دار واحدة , وإن كان أحدهما مقيمًا في دار الحرب والآخر في دار الإسلام فإن احتج المخالف لنا بما روى يونس عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول بعد ست سنين , وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة وبقي زوجها بمكة مشركا ثم ردها عليه بالنكاح الأول , وهذا يدل على أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيقاع الفرقة فيقال : لا يصح الاحتجاج به للمخالف من وجوه ...
        أحدها : أنه قال : " ردها بعد ست سنين بالنكاح الأول " ; لأنه لا خلاف بين الفقهاء أنها لا ترد إليه بالعقد الأول بعد انقضاء ثلاث حيض , ومعلوم أنه ليس في العادة أنها لا تحيض ثلاث حيض في ست سنين , فسقط احتجاج المخالف به من هذا الوجه .
        ووجه آخر : وهو ما روى خالد عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية تسلم قبل زوجها أنها أملك لنفسها ; فكان من مذهبه أن الفرقة قد وقعت بإسلامها , وغير جائز أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما قد رواه عنه .
        والوجه الثالث : أن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح ثان فهذا يعارض حديث داود بن الحصين , وهو مع ذلك أولى ; لأن حديث ابن عباس إن صح فإنما هو إخبار عن كونها زوجة له بعدما أسلم , ولم يعلم حدوث عقد ثان , وفي حديث عمرو بن شعيب الإخبار عن حدوث عقد ثان بعد إسلامه , فهو أولى ; لأن الأول إخبار عن ظاهر الحال , والثاني إخبار عن معنى حادث قد علمه(64) .
    ويرد ما استدلوا به على وقوع الفرقة في دار الإسلام ، بتفريق القاضي عند إباء الزوج ، بمـا يلي :
        أولًا : أما قصة الرجل التغلبي(65) ، فهي قصة ضعيفة ، مدارها على مجاهيل ، ولا وجه لمقارنتها مع القصة الأخرى المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنـه التي ذكرناها في جملة أدلتنا .
        ثانيًا : قولكم إن الإسلام لا يجوز أن يكون مبطلًا للنكاح , وكذلك الكفر ; لأن الكفر كان موجودًا منهما , ولم يمنع ابتداء النكاح , فلأن لا يمنع البقاء أسهل وأولى ، وأننا لو أبقينا النكاح بينهما لا تحصل مقاصده , فليس في بقاء هذا النكاح فائدة , إذن فتفريق القاضي بينهما يكون عند إباء الإسلام ، وهذا هو السبب الموجب للفرقة .
        قلنا : نعم ، الإسلام لا يجوز أن يكون مبطلًا للنكاح ، وكذلك الكفر ، لكن لا يلزم بالضرورة من عدم كون النكاح باطلاً أن يكون لازمًا ؛ لأن النكاح بالإسلام يصير جائزًا بعد أن كان لازمًا ، فيجوز للقاضي أن يعجل الفرقة طالما أن المرأة هي التي اختارت هذا ، ورفعت الأمر إليه ، كما أنه يجوز لها أن تتربص إلى ما شاء الله تنتظر إسلام زوجها طالما هي اختارت ذلك .
        فالنكاح له ثلاثة أحوال : حال لزوم ، وحال تحريم وفسخ ليس إلا . كمن أسلم وتحته من لا يجوز ابتداء العقد عليها ، وحال جواز ووقف وهي مرتبة بين المرتبتين لا يحكم فيها بلزوم النكاح ولا بانقطاعه بالكلية ، وفي هذه الحال تكون الزوجة بائنة من وجه دون وجه . وهكذا الحال في قصة السيدة زينب وأبي العاص كما مر .
        والنكاح في هذه المدة لا يحكم ببطلانه ولا بلزومه وبقائه من كل وجه ، ولهذا خيَّر أمير المؤمنين المرأة التي أسلمت من أهل الحيرة ولم يسلم زوجها كما سبق في جملة أدلتنا .
        أما قولكم : ليس في بقاء النكاح فائدة ؛ لعدم حصول مقاصده .
        قلنا : غير مسلَّم ، فبقاء العقد جائزًا غير لازم من غير تمكين الوطء خير محض ، ومصلحة راجحة للزوجين في الدنيا والآخرة من غير مفسدة (66).
        ويرد ما استدلوا به على وقوع الفرقة في دار الحرب ، بانقضاء ثلاث حيضات تُقام مقام ثلاث عرضات من القاضي قبل التفريق ؛ وذلك لفقد الولي ، بما يلي :
        أما قولكم : إن مجرد إسلام أحدهما غير موجب للفرقة , ولا كفر من أصر منهما على الكفر , ولا اختلاف الدين نفسه كما بينا في دار الإسلام , فجوابه كما مر .
        وأما قولكم : إلا أن في دار الإسلام يمكن تقرير سبب الفرقة بعرض القاضي الإسلام على الآخر منهما حتى إذا أبى فرَّق بينهما , وفي دار الحرب لا يتأتى ذلك ; لفقد الولي الذي يعرض عليه الإسلام ، فتُقام ثلاث حيضات مقام ثلاث عرضات من القاضي في تقرر سبب الفرقة ، فجوابه : أنَّ هذه مجرد دعوى تفتقر إلى الدليل ، بل الثابت خلاف ذلك ، كما هو واضح في قصة السيدة زينب من رواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
        ويرد ما استدلوا به على وقوع الفرقة إذا كان الزوجان من أهل دار الحرب ، وأسلم أحدهما ، وخرج إلى دار الإسلام ؛ لاختلاف الدارين ، بما يلي :
        أولًا : ليس في آية سورة الممتحنة ما يقتضي ما ذهبتم إليه أصلًا ، فقوله تعالى : } فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ { إنما يدل على النهي عن رد النساء المهاجرات إلى الله ورسوله إلى الكفار ، خشية أن يفتتن في دينهن ، فأين في هذا ما يقتضي وقوع الفرقة ، وأنها لا تنتظر زوجها حتى يصير مسلمًا مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم ترد إليه ؟! ، وكذلك قوله تعالى : } لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ { إنما فيه إثبات التحريم بين المسلمين ، والكفار وأن أحدهما لا يحل للآخر ، وليس فيه ما يقتضي وقوع الفرقة ، وأن أحدهما لا يتربص بصاحبه الإسلام فيحل له إذا أسلما ، وقوله تعالى : } وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا { أيضًا ليس فيه دليل على وقوع الفرقة فورًا ، فإعطاء الزوج ما أنفق إنما هو تطييب لخاطره ، وإذا اختارت زوجته أن تتربص بإسلامه فلها ذلك ، وإذا أسلم ردت إليه بالنكاح الأول ، ثم إنه هناك خلاف في إيتاء المهر للأزواج هل هو على سبيل الوجوب أم الندب ؟ وهل هذا للمعاهدين فقط أم للمعاهدين والمحاربين ؟ أما قوله تعالى : } وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ { فهو خطاب للمسلمين معطوف على سابقه ، غايته رفع الحرج عنهم أن ينكحوا المؤمنات المهاجرات إذا بِنَّ من أزواجهن وتخلين عنهم ، وهذا إنما يكون بعد انقضاء عدة المرأة واختيارها لنفسها ، ولا ريب أن المرأة إذا انقضت عدتها تخير بين أن تتزوج من شاءت وبين أن تقيم حتى يسلم زوجها ، فترجع إليه ، وأما قولـه تعالى : } وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ { فإنما تضمن النهي عن استدامة نكاح المشركة والتمسك بها وهي مقيمة على شركها وكفرها ، وليس فيه النهي عن الانتظار حتى تسلم ثم يمسك بعصمتها .
        ثانيًا : قصة سبايا أوطاس ، فإن التحقيق فيها أن الذي أبطل عقد النكاح هو الملك بالسباء لا اختلاف الدار .
        قال الإمام النووي عند شرحه لهذا الحديث : " والمراد بالمحصنات هنا المزوجات ، ومعناه : والمزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي ، فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها "(67).
        وقد دلت كتب أسباب النزول على ذلك أيضًا (68) ، إذن فالذي أبطل عقد النكاح في هذه الحالة خاصة هو الملك بالسباء لا مطلق الملك .
        ويرد ما قالوه بوقوع الفرقة باختلاف الدار بما ذكره الماوردي في الحاوي الكبير حيث قال : " والدليل على أن اختلاف الدارين لا يوجب وقوع الفرقة بإسلام أحد الزوجين : ما روي أن أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران - وهي بحلول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها واستيلائه عليها دار إسلام - وزوجتاهما على الشرك بمكة - وهي إذا ذاك دار الحرب - ثم أسلمتا بعد الفتح ، فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح . فإن قيل : مر الظهران من سواد مكة ، وتابعة لها في الحكم ، فلم يكن إسلامها إلا في دار واحدة ، ففيه جوابان : أحدهما : أن مر الظهران دار الخزاعة محازة عن حكم مكة : لأن خزاعة كانت في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر في حلف قريش ، ولنصرة النبي صلى الله عليه وسلم لخزاعة صار إلى قريش بمكة . والجواب الثاني : أن مر الظهران لو كان من سواد مكة : لجاز أن ينفرد عن حكمها باستيلاء الإسلام عليها ، كما لو فتح المسلمون سواد بلد من دار الحرب ، صار ذلك السواد دار إسلام وإن كان البلد دار الحرب ، ويدل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح ، هرب صفوان بن أمية إلى الطائف ، وهرب عكرمة بن أبي جهل إلى ساحل البحر مشركين ، فأسلمت زوجاتهما بمكة ، وكانت زوجة صفوان برزة بنت مسعود بن عمرو الثقفي ، وزوجة عكرمة أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة ، وأخذتا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لهما ، فدخل صفوان من الطائف بالأمان ، وأقام على شركه حتى شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، وأعاره سلاحا ثم أسلم ، وعاد عكرمة من ساحل البحر - وقد عزم على ركوبه هربا - فأسلم ، فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجتيهما مع اختلاف الدارين بهما : لأن مكة كانت قد صارت بالفتح دار إسلام ، وكانت الطائف والساحل دار الحرب . فإن قيل : هما من سواد مكة وفي حكمهما . فالجواب عنه بما مضى"(69) .
        أما ما ذكرتم من قصة رد السيدة زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سبق الحديث عنها بروايتيها ، مع بيان ما اخترناه معضدًا بالأدلة وبأقوال المحدثين وأهل الصنعة ، وسوف يأتي لاحقًا بيان أكثر من هذا لهذا الأمر في مطلب مستقل .
        وما ذكرتموه من مذهب ابن عباس فالأثر أخرجه ابن أبي شيبة قال : حدثنا عباد بن العوام عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها فهي أملك بنفسها(70) ; فكان من مذهبه أن الفرقة قد وقعت بإسلامها . قلنا : ليس فيه ما يدل على ذلك ، بل إن قوله : " هي أملك بنفسها " دل على أن العقد ينفسخ باختيار المرأة ، لا بمجرد إسلامها .
        وأخيرًا : فإن للرأي الذي اخترناه – وهو رأي ابن القيم وشيخه ابن تيمية – وجه معقول من حيث إن إسلام الزوجة دون زوجها يمنع العشرة الزوجية بينهما ، فللمرأة أن تتزوج بعد استبراء رحمها ، ولها أن تنتظر إسلام زوجها فتعود الحياة الزوجية بينهما ؛ لأن أثر العدة ليس في بقاء الزواج ، وإنما في منع نكاحها للغير .
        وإسلام الزوجة دون زوجها يصبح العقد به موقوفًا ، والعقد الموقوف لا ينتج حكمه منذ انعقاده ، بل تكون آثاره الخاصة النوعية وسائر نتائجه الحقوقية موقوفة ، أي معلقة محجوزة لا تتحقق ولا تسري لوجود مانع يمنع تحققها وسريانها شرعًا ، فعقد الزواج الموقوف لا يحل المتعة ولا يثبت الحقوق الزوجية حتى يزول ذلك المانع(71) .
        وقد نقل هذا – الذي اخترناه - الرأي الصنعاني في سبل السلام ، وعقب عليه قائلًا : " وهو أقرب الأقوال في المسألة "(72) ، كما نقلـه الشوكاني في نيل الأوطار ، وقـال : " هذا كلام في غاية الحسن والمتانة "(73) .
        وعليه : فإن الزوجة إذا  أسلمت وبقى زوجها على دينه – سواء كان هذا في ديار المسلمين أو ديار غير المسلمين -  حرمت المعاشرة الزوجية ومقدماتها بينهما على الفور، وتقوم بعرض الإسلام عليه بنفسها ، أو توكل من يقوم بهذا الأمر ،  فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن بقي على دينه حتى انقضاء العدة ، فالزوجة مخيرة بين أن تطلب فسخ عقد الزواج على وجه التراضي مع زوجها أو برفع الأمر إلى القاضي ليفسخ نكاحها، أو أن تنتظر إسلام زوجها ، ووقتما أسلم فهما على نكاحهما .
        والأمر في ديار المسلمين سهل ، فهي لا تمكث معه في بيت واحد ، وبمجرد رفع الأمر إلى القاضي سيطلقها ، أما في ديار غير المسلمين فالأمر صعب ، فإن استطاعت أن لا تمكث معه في بيت واحد فهو المتعين وإلا جاز، ومع ذلك فلابد وأن تتحرز من الانكشاف أمامه ، وقد يتأخر فسخ العقد إلى سنوات ، ولكن عليها بالصبر وعدم الزواج من آخر حتى ينفسخ عقد الزواج رسميًا، حتى لا تتعرض لمشكلات كثيرة . 
     
    (مطلب): حول حديث رد السيدة زينب على زوجها أبي العاص بروايتيه .
       * تحدثا في أول البحث عن الروايتين من جهة الورود ، وخلصنا إلى أن رواية ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول أصح من رواية عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم ردها بنكاح جديد ، ولكن بقيت بعض التتمات نذكرها فيما يلي :    جاءت رواية ابن عباس بلفظين : الأول " بعد ست سنين " ، والثاني "بعد سنتين " ، قيل : إن المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه ، وهو بيِّنٌ في المغازي ، فإنه أسر ببدر فأرسلت زينب من مكة في فدائه فأطلق لها بغير فداء ، وشرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يرسل له زينب فوفى له بذلك ، وإليه الإشارة في الحديث الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم في حقه : " حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي "(74) ، والمراد بالسنتين ما بين نزول قوله تعالى : } لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ { وقدومه مسلمًا فإن بينهما سنتين وأشهرًا(75) .

        * لفظي رواية ابن عباس :" بعد ست سنين " ، و"بعد سنتين " فيهما إشكال  - عند من يرى انفساخ النكاح بانقضاء العدة – مفاده : استبعاد أن تبقى العدة في هذه المدة .
        قال الحافظ ابن حجر : " وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة في تلك المدة ممكن ، وإن لم تجر العادة غالبًا به ، ولا سيما إذا كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر ، فإن الحيض قد يبطيء عن ذوات الأقراء لعارض علة أحيانًا ، وبحاصل هذا أجاب البيهقي ، وهو أولي ما يعتمد في ذلك "(76) .
        وقد رد هذا ابن القيم حيث قال : " أما كونها لم تحض في تلك السنين الست إلا ثلاث حيض فهذا مع أنه في غاية البعد وخلاف ما طبع الله عليه النساء فمثله لو وقع لنقل ولم ينقل ذلك أحد ولم يحد النبي بقاء النكاح بمدة العدة حتى يقال لعل عدتها تأخرت فلا التحديد بالثلاث حيض ثابت ولا تأخرها ست سنين معتاد "(77) .
        *   هناك من قال : إن رواية ابن عباس لم تسلم من المعارض ، والمعارض هو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، فلما سلموا بتلك المعارضة عهدوا إلى محاولة التوفيق بين الروايتين ، فقالوا على فرض التسليم بثبوت رواية ابن عباس ، فإنها إخبار عن ظاهر الحال ، ساكتة عن ذكر ردِّ زينب بنكاح جديد ، ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إخبار عن معنى حادث ، مثبتة أنه صلى الله عليه وسلم ردها بنكاح جديد ، فهي أولى(78) .
        والجواب : أن هذا طريق معتبر لا ينبغي العدول عن مثله عند وجوده للتوفيق بين نصين ثابتين ظاهرهما التعارض ، ولكن الحال هنا أن الروايتين لم يستويا في القوة إلى حد التقابل ، فقد بيَّنَّا فيما تقدم علة رواية عمرو بن شعيب ووجه ضعفها ، والأولى ألا يُصرف الجهد في محاولة التوفيق بين روايتين إحداهما ثابتة والأخرى واهية .
        ومن أضعف ما قيل في الجمع بين هاتين الروايتين ما حكاه الطحاوي عن محمد بن الحسن – صاحب أبي حنيفة - واستحسنه : فعن أبي توبة الربيع بن نافع قال : قلت لمحمد بن الحسن : من أين جاء اختلافهم في زينب ؟ فقال بعضهم: ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص على النكاح الأول ، وقال بعضهم : ردها بنكاح جديد . أترى كل واحد منهم سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ؟ فقال محمد بن الحسن :لم يجئ اختلافهم من هذا الوجه ، وإنما جاء اختلافهم أن الله إنما حرم أن ترجع المؤمنات إلى الكفار في سورة الممتحنة بعد ما كان ذلك جائزًا حلالًا ، فعلم ذلك عبد الله بن عمرو ، ثم رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رد زينب على أبي العاص بعد ما كان علم حرمتها عليه بتحريم الله المؤمنات على الكفار ، فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد ، فقال : ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد ، ولم يعلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بتحريم الله عز وجل المؤمنات على الكفار حتى علم برد النبي صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص ، فقال : ردها عليه بالنكاح الأول ؛ لأنه لم يكن عنده بين إسلامه وإسلامها فسخ للنكاح الذي كان بينهما . قال محمد رحمه الله : فمن ههنا جاء اختلافهم ، لا من اختلاف سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم في ذكره ما رد زينب به على أبي العاص أنه النكاح الأول أو النكاح الجديد(79) .
        وتُعُقِّب هذا بأنه لا يُظن بالصحابة أن يجزموا بشيء قد يكون الأمر بخلافه ، وكيف يظن بابن عباس أن يشتبه عليه نزول آية الممتحنة ، والمنقول من طرق كثيرة عنه يقتضي اطلاعه على الحكم المذكور ، وهو تحريم استقرار المسلمة تحت الكافر ، فلو قدر اشتباهه عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز استمرار الاشتباه عليه بعده حتى يحدث به بعد دهر طويل ، وهو يوم حدث به يكاد أن يكون أعلم أهل عصره(80) .
        قال ابن القيم : " معاذ الله أن يُظن بالصحابة أنهم يروون أخبارًا عن الشيء الواقع والأمر بخلافه بظنهم واعتقادهم ، وهذا لا يدخله إلا الصدق والكذب ، فإنه إخبار عن أمر واقع مشاهد هذا يقول ردها بنكاح جديد فهل يسوغ أن يخبر بذلك بناء على اعتقاده من غير أن يشهد القصة أو تروى له ، وكذا من قال ردها بالنكاح الأول .
        وكيف يُظن بعبد الله بن عمرو أنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عقد نكاح لم يثبته ولم يشهده ولا حكي له ، وكيف يُظن بابن عباس أن يقول ردها بالنكاح الأول ولم يحدث شيئًا وهو لا يحيط علما بذلك ، ثم كيف يشتبه على مثله نزول آية الممتحنة وما تضمنته من التحريم قبل رد زينب على أبي العاص ، ولو قدر اشتباهه عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لحداثة سنِّه ، أفترى دام هذا الاشتباه عليه واستمر حتى يرويه كبيرًا وهو شيخ الإسلام؟ ومثل هذه الطرق لا يسلكها الأئمة ولا يرضى بها الحذاق "(81) .
     
    *   حاول البعض تأويل بعض عبارات رواية ابن عباس ، فقالوا : قوله : " على النكاح الأول لم يحدث شيئًا " على معنى : مثل الصداق الأول ، قاله ابن عبد البر(82) ، وذكر ابن الهمام أن معناه: لم يحدث زيادة في الصداق والحباء ، وقال : وهو تأويل حسن(83) .
        وقد أجاب ابن القيم عن هذا فقال : " وأما قوله إنه ردها على النكاح الأول أي على مثل الصداق الأول ، فلا يخفى ضعفه وفساده ، وأنه عكس المفهوم من لفظ الحديث ، وقوله : (لم يحدث شيئًا ) يأباه "(84) .
        ثم إن باقي ألفاظ تلك الرواية لا تحتمل هذا التأويل ، ومنها ( لم يحدث شهادة ولا صداقًا ) ، وهذا يكفي لإبطال هذا التأويل .

    *    هناك من قال أن حديث ابن عباس منسوخ ، لكنهم اختلفوا في الناسخ ...
    1-  قيل : إنه منسوخ بآية الممتحنة ، وذلك على وجهين :-
        أولهما : أن قصة زينب وأبي العاص وقعت بعد بدر ، ونزول آية الممتحنة كان بعد صلح الحديبية .
        قال ذلك الطحاوي مستدلاً بخبرين ، الأول : عن الزهري ، أن أبا العاص بن ربيعة أخذ أسيرًا يوم بدر فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه ابنته قال الزهري وكان هذا قبل أن ينزل الفرائض .
    والثاني : عن قتادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على أبي العاص ابنته قال قتادة: كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة(85) .
        وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر ، وأجاب عنه حيث قال : " ادعى الطحاوي أن حديث بن عباس منسوخ ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بعد رجوعه من بدر لما أسر فيها ، ثم افتدى وأطلق ، وأسند ذلك عن الزهري ، وفيه نظر فإن ثبت عنه ، فهو مؤول ؛ لأنها كانت مستقرة عنده بمكة ، وهي التي أرسلت في افتدائه كما هو مشهور في المغازي ، فيكون معنى قوله ردها أقرها ، وكان ذلك قبل التحريم ، والثابت أنه لما أطلق اشترط عليه أن يرسلها ففعل كما تقدم وإنما ردها عليه حقيقة بعد إسلامه "(86) .
         وقال ابن القيم : " وأقصى ما يقال إن رد زينب على أبي العاص ونزول آية التحريم كانا في زمن الهدنة ، فمن أين يعلم تأخر نزول الآية عن قصة الزوجين لتكون ناسخة لها ؟ ولا يمكن دعوى النسخ بالاحتمال "(87) ، فهذا جواب ما روي عن الزهري .
        أما قول قتادة : " كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة " ، فلا ريب أنه كان قبل نزول براءة ، ولكن أين في سورة براءة ما يدل على إبطال ما مضت به سنة رسول الله من حين بعث إلى أن توفاه الله تعالى من عدم التفريق بين الرجل والمرأة إذا سبق أحدهما بالإسلام ? والعهود التي نبذها رسول الله إلى المشركين هي عهود الصلح التي كانت بينه وبينهم ، فهي براءة من العقد والعهد الذي كان بينه وبينهم ، ولا تعرض فيها للنكاح بوجه من الوجوه ، وقد أكد الله سبحانه البراءة بين المسلمين والكفار قبل ذلك في سورة الممتحنة وغيرها ، ولكن هذا لا يناقض تربص المرأة بنكاحها إسلام زوجها ، فإن أسلم كانت امرأته ، وإلا فهي بريئة منه(88) .
        وثاني الوجهين : أن أبا العاص كان كافرًا ، والمسلمة لا تحل أن تكون زوجة لكافر .
        قال ابن عبد البر : " مما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة بقوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ { إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافرًا ، وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر ، قال الله عز وجل : } وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(89) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للملاعن لا سبيل لك عليها(90) .
        ويجاب عن هذا بأن ابن عبد البر بنى كلامه هذا على أن أبا العاص كان كافرًا حين ردت عليه زينب ، وهذا مخالف لجميع الروايات .
    2-  قيل : إن الإجماع على منع الرجوع بعد انتهاء العدة يدل على نسخ هذا الحكم .
        قال ابن عبد البر : " وهذا الخبر وإن صح فهو متروك منسوخ عند الجميع ؛ لأنهم لا يجيزون رجوعه إليها بعد خروجها من عدتها "(91) ، ثم إنه عضد ذلك بقوله : " إنه منسوخ بقول الله عز وجل } وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ { يعني في عدتهن ، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء انه عني به العدة "(92) .
        وقال الجصاص مشيرًا إلى رد الحديث من هذه الجهة : " لا خلاف بين الفقهاء أنها لا ترد إليه بالعقد الأول بعد انقضاء ثلاث حيض , ومعلوم أنه ليس في العادة أنها لا تحيض ثلاث حيض في ست سنين "(93) .
        ويجاب عن هذا بأن دعوى الإجماع مردودة بما رويناه عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
    وأما استدلال ابن عبد البر بقوله تعالى } وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ { ، وأنه ناسخ للحديث ، فقد تعجب منه ابن القيم ، وقال : " وأعجب من هذا دعوى أن يكون الناسخ قوله تعالى } وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ { ، فإن هذا في المطلقات الرجعيات بنص القرآن واتفاق الأمة ، ولم يقل أحد أن إسلام المرأة طلقة رجعية يكون بعلها أحق بردها في عدتها ، والذين يحكمون بالفرقة بعد انقضاء العدة لا يوقعونها من حين الإسلام ، بخلاف الطلاق ، فإنه ينفذ من حين التطليق ، ويكون للزوج الرجعة في زمن العدة "(94) .
        وخلاصة القول في دعوى النسخ : إنها غاية في الضعف ، حتى قال ابن القيم : " أما ادعاء نسخ الحديث فأبعد وأبعد ، فإن شروط النسخ منتفية ، وهي : وجود المعارض ، ومقاومته ، وتأخره ، فأين معكم واحد من هذه الثلاثة ? "(95) .

    ( مطلب ) : حول تحريم الوطء بمجرد الإسلام .
        مما ينبغي التنبيه عليه أنه بمجرد إسلام الزوجة تتوقف المعاشرة الزوجية بينها وبين زوجها طالما أنه لم يسلم بعد ، دل على ذلك ...
         أولًا : قوله تعالى : } لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ { فهذه الآية صريحة في منع وطء المشرك للمسلمة .
        ثانيًا : ما روي من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في اليهودية والنصرانية تكون تحت النصراني أو اليهودي فتسلم هي ، قال : يُفَرَّق بينهما ؛ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه(96) ، وهذا دليل على انقطاع العشرة الزوجية بينهما بمجرد إسلامها ، وقد علل ابن عباس هذا بقاعدة " الإسلام يعلو ولا يعلى " .
         وهذا الأثر مروي عن ابن عباس ، وكذلك حديث رد زينب بالنكاح الأول مروي عنه أيضًا الذي بنينا عليه رأينا في المسألة ، ولا تعارض ؛ لأنه رضي الله عنه لم يجعل العقد باطلًا بمجرد إسلامها وإنما يبطل بأحد طريقين :
        الأول : اختيار المرأة بنفسها الفرقة ، حيث قال : " هي أملك بنفسها " كما مر في الرواية الأخرى المروية عنه التي أخرجها ابن أبي شيبة .
         الثاني : القضاء ، حيث قال " يُفَرَّق بينهما " أي من له سلطة التفريق .
        وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مؤكد برواية أخرى عنه أيضًا أنه قال : " إن الله عز وجل بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق ليظهره على الدين كله ، فديننا خير الأديان ، وملتنا فوق الملل ، ورجالنا فوق نسائهم ، ولا يكون رجالهم فوق نسائنا "(97) .
        ثالثًا : قال القرطبي : " أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام "(98) .
        رابعًا : أنه لم يرد نقل صحيح عن عالم أو فقيه أو مفسر أنه يجوز استمرار العشرة الزوجية بين زوجة مسلمة وزوجها الكافر ، بل الجميع متفقون على وقف الحياة الزوجية ويمنعون العشرة بينهما بمجرد إسلامها ، ولا تحل العشرة الزوجية إلا بإسلام الزوج فورًا ، أو أثناء العدة ، أو بعدها على ما نصرناه ، بل إننا - بعد ما ذكرنا من أدلة - نسأل من يجيز هذا(99): هل هناك حالة واحدة نقلت إلينا أن امرأة أسلمت وبقي زوجها كافرًا واستمرت العشرة الزوجية بينهما ؟ الجواب : لا يوجد ، ولو وجدت لنقلت ؛ لأن مثل هذا مما تتوافر الدواعي على نقله .
     
     
    كتبه:
    مصطفى عبد الكريم مراد (الباحث بقسم الأبحاث الشرعية)
    5/ 2/ 2007م
     
    راجعه:
    محمد السيد محمد (الباحث بقسم الأبحاث الشرعية)
     
     
     
     
     
    الهوامش:
    ------------------------------------
    (1) المغني لابن قدامة (7/116) بتصرف .
    (2) التمهيد (12/23) .
    (3) سورة المائدة / الآية 5 .
    (4) سنن أبي داود (2240) ، ومسند أحمد (1/217) ، ومستدرك الحاكم (2/219) ، وقال : هذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح .
    (5) مسند أحمد (1/351) ، ومستدرك الحاكم (4/50) .
    (6) مسند أحمد (1/261) .
    (7) سنن الترمذي (1143) ، وقال: هذا حديث ليس بإسناده بأس ، ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث ، ولعله قد جـاء هذا من قبل داود بن الحصين من قبل حفظه .
    (8) سنن أبي داود (2240) ، ومستدرك الحاكم (3/262) ، والسنن الكبرى للبيهقي (7/187) .
    (9) سنن أبي داود (2240) ، ومسند أحمد (1/351) ، ومستدرك الحاكم (4/50) .
    (10) تحفة الأحوذي للمباركفوري 4/249 .
    (11) ترتيب علل الترمذي للقاضي 1/166 .
    (12) عون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي 6/232 .
    (13) المحلى بالآثار 5/372 .
    (14) سنن الترمذي (1142) ، وسنن ابن ماجه (2010) ، ومسند أحمد (2/207) ، والسنن الكبرى للبيهقي (7/188) ، سنن الدارقطني (3/253) .
    (15) مستدرك الحاكم (3/741) ، وقال الذهبي في التلخيص : هذا باطل ولعله أراد هاجرت قبله بسنة ، والمعجم الكبير للطبراني (19/202) ، ومصنف عبد الرزاق (7/171)
    (16) السنن الكبرى للبيهقي (7/188) ، وفتح الباري لابن حجر (9/423) .
    (17) مسند أحمد (2/207) .
    (18) سنن الترمذي (1142) .
    (19) سنن الدارقطني (3/253) .
    (20) سورة الممتحنة / الآية 10 .
    (21) أي بسيف البحر ، حيث اجتمعوا يقطعون الطريق على قريش .
    (22) تاريخ دمشق لابن عساكر (67/15) .
    (23) البداية والنهاية لابن كثير (4/178) بتصرف .
    (24) فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/424) .
    (25) سنن أبي داود (2239) ، وسنن الترمذي (1144) وقال : هذا حديث صحيح ، ومسند أحمد (1/323) ، ومستدرك الحاكم (2/218) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص ، والسنن الكبرى للبيهقي (7/188) .
    (26) شرح الكوكب المنير لابن النجار صـ(364)، والبحر المحيط للزركشي (4/201،202)، وجمع الجوامع شرح المحلي (2/24، 25).
    (27) صحيح البخاري (4982) ، والسنن الكبرى للبيهقي (7/187) .
    (28) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/84) ، و(7/175) قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبد الله بن يزيد، وهذا إسناد صحيح ، معمر هو ابن راشد ، وأيوب هو السختياني ، وابن سيرين هو محمد ، وهؤلاء ثقات كبار معروفون متفق عليهم في الصحيحين ، وقد صحح ابن حجر هذا الإسناد في الفتح (9/421) .
        وقد اعترض الدكتور همام عبد الرحيم سعيد على تصحيح هذا الحديث فقال : ولا شك أن رجال السند ثقات ، ومثلهم متفق على تخريج حديثهم في الصحيح . ولكن لهذا السند علة ، فقد رواه معمر بن راشد عن أيوب بن أبي تميمة ، وكلاهما ثقة ، إلا أن رواية معمر عن أيوب معلولة بأن معمرًا إذا روى عن البصريين أو إذا روى عن العراقيين فإنه يخاف من حديثه ؛ وذلك لأن معمرًا لم يكتب بالبصرة وكان يكتب باليمن ، ذكر ذلك ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي (2/774) قال ابن أبي خيثمة إذا حدثك معمر عن العراقيين فخفه إلا عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم ، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا . وعليه فإننا نرد هذا السند مـن هذه الناحية دون أن يؤثر ذلك على رواية معمر عن غير العراقيين مـن بصريين وكوفيين. أهـ من بحث للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس بعنوان "أثر إسلام أحد الزوجين في النكاح" صـ372 ضمن أبحاث مجلة مجلس الإفتاء الأوروبي العدد الثاني يناير 2003م ذو القعدة 1423هـ .
        ونجيب عن ذلك بنحو ما أجاب به الدكتور عبد الله الجديع حيث قال : إن الدكتور همام حين قال "لكن لهذا السند علة" ظنناه سيذكر مطعنًا يطعن به في هذه الرواية ، لما عهدناه من منهج أهل العلم بالحديث ، أن أحدهم إذا قال مثل هذه المقالة ، أبان عن مطعن مفسر في حديث الثقة عن الثقة ، أما هذا التعليل الذي أورده الدكتور فليس بمثله تتميز علل روايات الحديث ، وليس هذا منهج نقاد الحديث ، بل إن أحدًا من الأئمة لم يعل مثل هذا الإسناد لمجرد أن معمرًا رواه عن أيوب ، دون إظهار وهم أو خطأ ، فالمقطوع به أن الشيخين احتجا في الصحيحين برواية معمر عن أيوب في أحاديث عديدة ، وصحح الترمذي كذلك أحاديث من رواية معمر عن أيوب . والأصل أن لا يقال : أخطأ الثقة إلا ببينة ، ولو سوَّغنا قبول مثل هذا الكلام ، لحكمنا برد كثير من أحاديث الصحيحين ، فضلًا عن عامة الحديث الصحيح ، ومعمر وإن لم يكن يكتب في البصرة ، فإنه من الحفاظ ، والكتاب للحـافظ فضلة . أهـ من بحث للدكتور عبد الله الجديع بعنوان "إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه" صـ103، 104 ضمن أبحاث مجلة مجلس الإفتاء الأوروبي العدد الثاني يناير 2003م ذو القعدة 1423هـ .
    (29) يُنظر أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/ 659) ، والآية رقم 99 من سورة النساء ، والحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (4312) ، والبيهقي في السنن الكبرى (6/205) ، و(9/13) .
    (30) أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/662، 663) بتصرف .
    (31) المحلى بالآثار لابن حزم (5/368) .
    (32) سورة الممتحنة / الآية 10 .
    (33) المحلى بالآثار لابن حزم (5/373، 374) ، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه (10) ، و(6119) .
    (34) أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/686: 688) بتصرف .
    (35) المرجع السابق (2/689: 693) بتصرف .
    (36) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفراوي (2/26) .
    (37) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (6/295) .
    (38) كشاف القناع عن متن الإقناع (5/119، 120) بتصرف .
    (39) كشاف القناع عن متن الإقناع (5/119) ، وذكره ابن القيم في زاد المعاد (5/122) .
    (40) المدونة (2/213) ، مغني المحتاج (4/320) ، وكشاف القناع عن متن الإقناع (5/119 ، 120) .
    (41) المدونة (2/214) ، وكشاف القناع عن متن الإقناع (5/120) .
    (42) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 6/338، 339 حديث رقم (1920) .
    (43) موطأ مالك (997) .
    (44) السنن الكبرى للبيهقي (7/186) .
    (45) موطأ مالك (998) .
    (46) السنن الكبرى للبيهقي (7/187) .
    (47) موطأ مالك (997) .
    (48) السنن الكبرى للبيهقي (7/187) .
    (49) مختصر اختلاف العلماء للجصاص (2/335) .
    (50) شرح فتح القدير لابن الهمام (3/419) .
    (51) المحلى لابن حزم (5/373) .
    (52) زاد المعاد في هدي خير المعاد (5/122) .
    (53) أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/662) .
    (54) أحكام أهل الذمة (2/682) ، والأثر المروي عن الزهري سبق بيانه .
    (55) الفروع لابن مفلح (5/247، 248) .
    (56) راجع المبسوط للسرخسي (5/45) ، بدائع الصنائع للكاساني (2/336) .
    (57) بدائع الصنائع للكاساني (2/337) .
    (58) المبسوط للسرخسي (5/46) ، بدائع الصنائع للكاساني (2/337) .
    (59) المبسوط للسرخسي (5/56) ، بدائع الصنائع للكاساني (2/338) .
    (60) المبسوط للسرخسي (5/56) ، بدائع الصنائع للكاساني (2/338) .
    (61) بدائع الصنائع للكاساني (2/338) .
    (62) أحكام القرآن للجصاص (3/655، 356) بتصرف .
    (63) صحيح مسلم (1456) ، والآية رقم 24 من سورة النساء .
    (64) أحكام القرآن للجصاص (3/656، 657) .
    (65) هذه القصة أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (4/105) بلفظ : كان رجل من بني تغلب يقاله عباد بن النعمان بن زرعة كانت عنده امرأة من بني تميم وكان عباد نصرانيًا فأسلمت امرأته وأبى أن يسلم ففرق عمر بينهما ، والبخاري في التاريخ الكبير (4/212) بلفظ : أن عبادة بن النعمان بن زرعة أسلمت امرأته فأبى ففرق بينهما عمر ، الاثنان من طريق علي بن مُسْهِر ، كما أخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/259) بلفظ : كان رجل منا من بني تغلب نصراني تحته امرأة نصرانية فأسلمت فرفعت إلى عمر فقال له أسلمت وإلا فرقت بينكما فقال له لم أدع هذا إلا استحياء من العرب أن يقولوا إنه اسلم على بضع امرأة قال ففرق عمر بينهما ، من طريق معاوية الضرير ، ثم من طريق أبي يوسف القاضي ، والثلاثة – علي ومعاوية وأبي يوسف – عن أبي إسحاق الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس .
        وإسنادها ضعيف ، داود بن كردوس هذا مجهول الحال ، كما قال الذهبي في الميزان (2/19) ، لم يرو عنه غير السفاح بن مطر ، وهو مجهول الحال كذلك ، لم يشتهر بعلم ولا رواية ، إذ لم يرو عنه غير رجلين : أبو إسٍحاق الشيباني ، والعوام بن حوشب ، وهما ثقتان ، ومن كان هذا وصفه في الرواة فلا يحتج به ، وإنما يصلح حديثه في المتابعات والشواهد ، أما لذاته فضعيف .
        ورواها أيضًا شعبة بن الحجاج ، وعباد بن العوام فقالا : عن الشيباني عن يزيد بن علقمة : أن رجلًا من بني تغلب ، فذكر نحـوه . أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (4/105) ،  والبخاري في التاريخ الكبير (4/212) .
         كما رواها سفيان الثوري عن الشيباني ، قال أنبأني ابن المرأة التي فرق بينهما عمر حين عرض عليه الإسلام ، فأبى ، ففرق بينهما . أخرجها عبد الرزاق في المصنف (6/83) ، (7/174) .
         فهذا المبهم من رواية سفيان يشبه أن يكون يزيد بن علقمة نفسه ، لكن يزيد بن علقمة هذا أغمض حالًا من السفاح ، فقد تفرد بالرواية عنه الشيباني ، ولا يعرف بل هو مجهول نكرة ، وهل أدرك عهد عمر ؟ في هذا نظر ، والله أعلم .
        فإن قيل : لكن الجوزجاني قال : رأيت احمد بن حنبل يعجبه حديث الشيباني – وهو الراوي عن يزيد ، ويقول : هو أهل أن لا ندع له شيئًا (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي 4/135) . أُجيب : أن هذا القول غايته أن يكون توثيقًا للشيباني نفسه، وأنه لا يرد له شيءٌ بسببٍ من جهته ؛ لكونه ثقةً ، أما أن يكون للإسناد فوقه علة غيره ، فلا يقال حيئذ : نقبل ما يرويه على علَّاته . أهـ ينظر في هذا بحث للدكتور عبد الله الجديع بعنوان "إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه" صـ106 ضمن أبحاث مجلة مجلس الإفتاء الأوروبي العدد الثاني يناير 2003م ذو القعدة 1423هـ .
    (66) يُراجع أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/695) بتصرف .
    (67) شرح صحيح مسلم للإمام النووي (10/35) .
    (68) يُراجع : لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي صـ 64 .
    (69) الحاوي الكبير للماوردي (9/260) .
    (70) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/105) .
    (71) المدخل الفقهي العام للشيخ الزرقا (1/452، 453) ، ويُنظر : بحث الدكتور محمد عبد القادر بو فارس بعنوان "أثر إسلام أحد الزوجين في النكاح" صـ344 ضمن أبحاث مجلة مجلس الإفتاء الأوروبي العدد الثاني يناير 2003م ذو القعدة 1423هـ .
    (72) سبل السلام (1/148) .
    (73) نيل الأوطار (6/215) .
    (74) متفق عليه ، صحيح البخاري (3523) ، صحيح مسلم (1902) .
    (75) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (9/423) بتصرف .
    (76) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
    (77) أحكام أهل الذمة (2/677) .
    (78) يُنظر : أحكام القرآن للجصاص (3/657) ، فتح القدير لابن الهمام (3/425) .
    (79) شرح معاني الآثار (3/256) .
    (80) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (9/242) .
    (81) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (6/233) .
    (82) الاستذكار (5/521) .
    (83) فتح القدير لابن الهمام (3/425) .
    (84) أحكام أهل الذمة (2/683) .
    (85) شرح معاني الآثار (3/260) .
    (86) فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/424) .
    (87) أحكام أهل الذمة (2/679) .
    (88) المرجع السابق (2/679، 680) .
    (89) سورة النساء / الآية141 .
    (90) التمهيد (12/21) .
    (91) المرجع السابق (12/20) .
    (92) الاستذكار لابن عبد البر (5/520) ، والآية رقم 228 من سورة البقرة .
    (93) أحكام القرآن (3/657) .
    (94) أحكام أهل الذمة (2/678) .
    (95) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
    (96) شرح معاني الآثار للطحاوي (3/257) ، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/421) : سنده حيح .
    (97) السنن الكبرى للبيهقي (7/172) .
    (98) الجامع لأحكام القرآن (3/64) .
    (99) نقصد : الدكتور عبد الله الجديع .
    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()