بتـــــاريخ : 10/23/2008 5:57:32 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 734 0


    التراث الإسلامى – آليات فهمه والتعامل معه

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    يقابل القارئ للتراث الإسلامى الكثير من الصعوبات فى فهمه والتعامل معه ، فهل هناك آليات تساعد على تخطى هذه الصعوبات ؟
    والجواب : 
        بداية لا بد أن يكون الهدف واضحًا، وهو أن نمتلك الأداة الضرورية اللازمة لفهم آليات التعامل مع "الموروث الإسلامي"، أو أن نرشد إلى الطريق في ذلك، مع ضرورة حفظ التمييز بين الأصلين المنزّهين (الكتاب والسُّنة)، وبين سائر التراث الذي اجتهد في إنتاجه المسلمون من علوم وفكر، وفقه وفتاوى، ورؤى وواقع تاريخي. 
        لا شك أن هناك فجوة مشهودة بين أجيال الباحثين فى العلوم الإنسانية المعاصرين وبين هذا الموروث الثمين، فكثيرًا ما نقرأ القرآن أو السُّنة أو علوم التراث الإسلامي ولا نفهم دلالات المقروء، ولا تمكننا الاستفادة منها.
        ومن ثم، فإن أول مطلوب هو "الفهم"، فهو الخطوة الأولى لسائر الخطوات، فلا يمكنني نقد هذا الموروث أو تطبيقه دون فهم. فأنا –كباحث أو كدارس اطَّلعت ُعلى العلوم الإنسانية أو بعض فروعها- أريد أن أستفيد مما رأيته أو استشعرته في الموروث من منهجية ومضمون في دراستي لهذه العلوم..
        وهذا -بعد تحقيق "الفهم"- يحتاج إلى عملية أكبر؛ وهي ما يمكن تسميتها بعملية "التجريد"، ثم تتلوها عملية ثالثة وهي "الاستنباط"؛ استنباط المناهج والقواعد والأدوات التي يمكن بها أن نواصل المسيرة ونكمل البنيان. فليس المراد من الاطّلاع على هذه العلوم والأفكار وما فيها من منهجيات أن نحاكيها، فتتوقف مسيرة العلم، ونذهب في رحلة موات، بل أن نستخلص منها ما نحتاج إليه.
        كثيرًا ما يتساءل الباحثون عن آليات تطبيق هذا الموروث في مجالاتهم العلمية والبحثية الحالية، وعن "الحلقة الواصلة" بين الموروث وبين هذه العلوم الحديثة، في حين أن المطلوب أولًا –قبل التطبيق- هو "الفهم". إن تحديد الهدف والخطوات وتمثُّل هذه الخطوات جيدًا، هو أمر مطلوب جدًا من أجل الوعي والاستفادة.. لكن تشوُّف الباحث إلى ما هو أمام، وتعجُّله قطف الثمار قبل النضج –وربما قبل الزرع والإنبات- هو ما يدفعه إلى نوع من القفز وعدم الاتزان.

    وفي البداية نقول:
        إن الموروث –بجملته- عبارة عن مكوّنين: نتاج فكري، وواقع تاريخي. النتاج الفكري له "محلٌ" عَمِل الفكر فيه؛ وهو القرآن والسُّنة مصدرا المعرفة الأساسيان عند المسلمين باعتبارهما وحياً. والنتاج الفكري له "ثمرة"؛ وهي ما يخرجه البشر بتفاعلهم مع هذا المحل من رؤًى وأفكار وعلوم ومناهج وأحكام وممارسات.
        إن محور الحضارة الإسلامية الذي بنيت عليه هو (النص): الكتاب والسُّنَّة، فما معنى المحور؟ معنى المحور أن كل العلوم خادمة له، وقد أنشئت لتخدمه، وهو المعيار للتقويم ، والإطارَ المرجعيّ.
    قرأ المسلمُ النصَّ، فلما استعصى عليه أمرٌ ما فيه راح يبحث عن وسائل فهمه، فصار هناك المُعجم وظهرت التراكيب والنحو والصرف.. تساءلَ: هل هذا الكلام معتاد أم معجز؟ ما الذي جعله متميزًا؟ فظهر علم البلاغة.. تساءلَ: إذا كنت قد فهمت دلالات اللفظ (المفردات والتراكيب)، فماذا عن الدليل والمدلول؟
        وبالمثل ظهر علم النقل والتوثيق، وهو علم لم يخرج مثله في الأمم؛ وذلك لخدمة الوثوق في النص، وتوالت التصنيفات بين علوم ذاتية كالتفسير والحديث، وعلوم مضمونية كالتوحيد والفقه؛ وتقسيمات أخرى هي من نتاج تعامل العقل المسلم مع النص.
        فالفقه –مثلًا- من القرآن إجمالًا، والقليل منه هو من القرآن مباشرةً، فهناك نحو مليون ومائتي ألف مسألة فقهية، بينما الآيات أقل من ذلك بكثير من حيث العدد والحجم، إلا أن القرآن العظيم منه الانطلاق، وإليه العودة، وبه التقويم, وله الخدمة، في علم الفقه وغيره من العلوم التي ورثناها.
        الشق الثاني للموروث – والذي يقابل النتاج الفكري– هو الواقع, وهو يتكون من خمسة عوالم: عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الرموز، وعالم الأفكار، وعالم الأحداث.. فما معنى أن النص الذي هو محور الحضارة له دور في التعامل مع عوالم الواقع؟ إن ذلك يعني أنني عندما أتعامل مع الواقع أضع على عيني نظارة النص.
        ففي علم الفلك مثلًا لكي أفهم جيدًا, فإنني أحتاج إلى رصد لعُمر طويل، فكانوا يرصدون في جداول كبيرة وكثيرة، كلها أرقام ومعادلات كجداول اللوغاريتمات بالضبط كما يفعل الفلكيون المعاصرون..  لكن ماذا استفاد أهل التراث في ذلك؟ حين نراجع عمل هؤلاء الأجداد نجدهم قد أخرجوا علماء ذوي فهم عميق جدًا لمواقيت الصلاة واتجاه القبلة ومواقيت الصيام والحج... إلخ. إن الفلكي المسلم القديم يحب -ولا شك- هذا الفن بغض النظر عن الدين، لكنه كمسلم التفت أيضًا إلى معرفة هذه العلوم لدينه وخدمته.
        وفي عالم الأشياء الجمالية أيضًا نجد أن الزخرفة الإسلامية تحرَّجت عن رسم الكائنات الحية، فبدأت بالرسومات الهندسية ثم النباتية فالخطيَّة، ثم خلطت بين كل هذا؛ ليظهر الأرابيسك الإسلامي وفلسفة فنية خاصة.. إذن هناك تقدم وتطور، هناك حضارة حية منتجة. يتأمل الباحث في ذلك فيجد ثلاثة أمور محرِّكة لهذا الإنتاج: معرفة بالله ... خوفًا من الله ... حبًا لله ... هذا ما بدا في الخط القرآني في عصور الالتزام والاستقامة.
        ولكن بعد القرن السابع لوحظ أن الخط القرآني (الذي تُكتب به المصاحف) بدأ يسوء؛ دليلًا على أن المعرفة بالله تعالى بدأت تضعف؛ وبدأ النُّسّاخ ينسون أسباب نشأة هذه الخطوط، وتضاءل تفاعلهم مع القرآن على عكس ما جرى مع ابن مقلة الوزير.
        وحتى القرن السابع كانت الزخرفة في المصحف قليلة، وهذا نابع عن الخوف (أو التحرُّج).. لكن بعد ذلك بدأت الزخرفة تتزايد مما دل على نقصان الخوف... وفي القرون الأخيرة بهتت الخطوط والزخارف مما دل أخيرًا على ضياع الحبِّ نفسه. وإذا ما خرج اليوم كتاب فيه هذه الشروط الثلاثة، نجده من رجل ورِع تقيٍّ عاش داخل المسألة. 

    هذا في عالم الأشياء، فماذا عن عالم الأفكار؟
        في عالم الأفكار يظهر مثلًا ابن مقلة المشار إليه.. كان ابن مقلة وزيرًا أقبلَ على قراءة الكتاب الحكيم وانفعل به وتفاعل معه، إلا أنه كان أيضًا فنانًا وعالمًا.. ثلاث صفات جمعها في كونه فنانًا واسع الخيال، وعالمًا بالرياضيات، علاوة على كونه مسلمًا مرتبطًا بالقرآن. ومن علمه بالرياضيات توصل إلى استعمال رائع لما نسميه بالنسبة الطبيعية (ط=22/7) بينما سمَّاه هو بـ" النسبة الإلهية".  رأى ابن مقلة أن القرآن نزل على نسبة إلهية فاضلة في نَظْمه وقراءته ومعانيه، فأحسّ أنه لابد أن يُكتب أيضًا بخطٍّ يعود إلى نسبة إلهية فاضلة حتى يوافق الشكلْ فيه المضمونَ، فابتكر أسلوبًا للكتابة من خلال استثمار هذه النسبة الإلهية، ومنها ابتكر قواعد رياضية دقيقة لكتابة الخط القرآني.
        هذا الإبداع كان من منطلق خدمة النص.. ونحن الآن نريد أن نقف عند هذا.. أن ندرك أن النص كان محركًا للآداب والعلوم ومنشئًا لها.. 
        وفي عالم الأحداث: هناك التاريخ وعوامل حركته. أريد - وأنا أعالج تاريخ المسلمين- أن أرى في التراث متى حدث التقدم والارتقاء؟ ومتى حدث التراجع والتهاوي؟ وما عوامل ذلك؟ فحتى القرن الرابع كان المسلمون يولِّدون علومًا، ثم تضاءل دورهم إلى أن توقف في القرن السابع وراحت الحضارة تمضي إلى السفول، الأمر الذي يمكن أن نأخذ منه فكرة أعمار الدول والحضارات (كما أشار إليها ابن خلدون)... فكرة عوامل انهيار الحضارة وربطها بعدم توليد العلوم.
        إذن الموروث إما مصادر أصلية أو نتاج بشري، والواقع هو العوالم الخمسة، وما نريده في البداية هو الفهم - الفهم الصحيح- وليس النقد أو التجريد أو التطبيق؛ سعيًا للعمل في حقل العلوم الاجتماعية وأعيننا على التراث. وعلى ذكر "الفهم الصحيح", فمع الدعوة للتأمل وتحريك الذهن في مختلف المسائل، ننبه إلى أن هناك سقفًا للفهم الصحيح ينبغي ألا يتم تجاوزه، وهو يشتمل على خمسة حدود لابد من المعرفة بها والالتزام بها في مطالعة التراث:
        (1) اللغة العربية، والتي هي وعاء المنطق العربي المتصل بالفطرة الإسلامية.
        (2) الإجماع، والذي ينبغي على الساعي إلى الفهم ألا يـخـرقه أو يتجاهله.
        (3) المقاصد الكلية للشريعة، من حفظ الدين والنفس والعِرض أو النسل والعقل والمال.
        (4) النموذج المعرفي- وهو ما نسميه بالعقيدة أو الرؤية الكلية.
        (5) القواعد الفقهية أو المبادئ العامة للشريعة: من قبيل: لا ضرر ولا ضرار، لا تزر وازرة وزر أخرى..الخ.

        إن هذا الطرح الذي بين أيدينا عن آليات فهم التراث يمثل خطوة في طريق, لكنها خطوة مهمة وأساسية لكي نفهم تراثنا, ونحقق النقلة النوعية المنشودة؛ لنعيد صناعة العقلية المسلمة؛ ولتخرج عقليات من أمثال ابن مقلة وابن الهيثم والبيروني وابن خلدون وغيرهم!
        ونؤكد أن أهم ما يعنينا استخلاصه في هذا التراث هو "المناهج" وطرائق التفكير: كيف كانوا يعملون عقولهم في واقعهم؟ ولا يهمنا بالضرورة "الموضوعات" أو الجزئيات التفصيلية التي كانوا يفكرون فيها.
        ولنضرب مثالاً لهذا: عندما سنقف أمام نظريات أصول الفقه السبعة، ستتضح أمامنا المداخل التي يمكن أن يقدمها هذا العلم التراثي لخدمة العلم الاجتماعي والإنساني الحديث؛ فعلم أصول الفقه له رحلة في ذهن الأصولي.
        لقد تساءل الأصولي: كيف أحصّل ديني؟ ففكَّر في مجموعة مشكلات وتساؤلات متتالية: ما الحُجَّة؟ أجاب: الكتاب والسُّنة. ثم تساءل: أين هما؟ أي ما التوثيق؟ فأسس علومًا للتأكد من أن الذي بين يديه هو الكتاب والسُّنة الحقيقيان، ثم تساءل: وكيف الفهم؟ ثم تساءل لضبط الفهم: كيف الدلالة؟ لتخرج إجابات عن: ما هو قطعي أو ظني.. إلخ. ثم تساءل إذا كانت الوقائع كثيرة والنصوص قليلة, فلابد من "القياس"! فتساءل: كيف القياس؟ أي كيف أُلحق الجديد بالقديم؟ وماذا عند التعارض بين النصوص؟ فقال بالترجيح، ثم تساءل: كيف الترجيح عند التعارض؟ ثم تساءل: من يقوم بهذا؟ ما هي شروط المجتهد (أو "الباحث" في التعبير السائد في العلوم الاجتماعية المعاصرة)؟
        وبصياغة هذه الأمور السبعة صياغة أخرى، سأجد أنني أبحث في المصادر, وطرق البحث وأدواته, وآليات الاحتجاج والاستدلال، وفي شروط الباحث.. تلك الأمور التي أخذها روجر بيكون وجعلها أصولًا للمنهج العلمي الحديث، وهي لا تتجاوز تعريفات الرازي والبيضاوي لعلم أصول الفقه.  
        ونحن عندما نسأل علم الاجتماع المعاصر عن "مصادر" عالم الاجتماع؟ وما هي المرجعية عند الحكم على الأشياء أو تصورها؟ وكيف نوثّــقها؟ وهل هناك ثوابت ومتغيرات؟ وما مدى القطعي والظني؟ وكيف يمكن أن نْلحق الواقع بالنص؟ فإن عالم الاجتماع المسلم اليوم - في ظل هذا الانفصام بين النص والواقع- لن يعطنا إجابة. إن من يطالع هذا التراث الكنز -اليوم- سوف يْفاجأ بمنهج ضخم وأسئلة جوهرية ربما لا إجابة عنها إلا في هذا التراث نفسه.

    ومن أهم آليات فهم التراث :
        1- النموذج المعرفى الإسلامى وإدراكه ومعرفة مكوناته ، وقد تناولناه فى أكثر من موضوع خاص به .
        2- العقلية التراثية ، ومعرفة عناصرها .
        3- كما تتألف أداة التعامل مع العلوم التراثية لتأسيس "الفهم" من مكونات عدة، لعل من أهمها مكوّنيْن رئيسيْن: الأول- عناصر الرؤية للعالم الخارجي عند الكاتبين للتراث الإسلامي، والثاني- الأداة اللغوية التي يمكن أن نفهم النص التراثي بها.
        وقد تناولنا كل آلية من هذه الآليات فى موضوع مستقل.

        وختامًا، فهذه رحلة مختصرة في ذهن رجل من عصور ما نسميه بالتراث: ما هي الآليات التي كان يفكّر بها؟ وكيف كان يفكّر؟ ماذا كان يرى؟ كيف كان يفهم.. وكيف أثر ذلك في الوعاء اللغوي أو تأثر به؟

    المصدر : الطريق إلى فهم التراث ، لفضيلة مفتى الديار المصرية ، أ/د على جمعة.

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    تعليقات الزوار ()