بتـــــاريخ : 10/23/2008 5:46:28 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1680 0


    الأسئلة الممتدة وأثرها فى حل بعض المشكلات الفكرية

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    ما المقصود بالأسئلة الممتدة ، وما أثر ملاحظاتها فى حل بعض المشكلات الفكرية ؟
    والجواب : 
        أننا نعني بالأسئلة الممتدة السؤال بلماذا بعد كل إجابة عن سؤال سابق، ساعين بذلك إلى الكشف عن حقائق الأشياء ، والبحث عن أسسها وأصولها .
        فمجال علم الكلام يُعالج القضايا الفلسفية بمعناها التقليدي ، ففيه إجابة عن مباحث الوجود والعدم ، وعن مباحث المعرفة ، وعن مباحث القيم أيضاً ، فهو يتكلم عن ماهية الوجود وطبائع الأشياء ويبيّن كنهه وكيفيته وماهيته وكيفية التفكير ومراتبه وكلياته ويتكلم عن القضايا الكبرى كالتوحيد في حق اللّه وقضايا العمارة للكون والتزكية للنفس ، بل وعن القيم الجزئية كمسائل العدل والتحسين والتقبيح بالعقل وغيرها كما هو معلوم .
        وعن طريق ما يمكن أن نطلق عليه (( الأسئلة الممتدة )) نجد أنفسنا مثلا ونحن في مسائل أصول الفقه الإسلامي وبتتبع تلك السلسلة من الأسئلة – ننتقل إلى مجال علم الكلام .
        فإذا قال الأصولي مثلاً باحثاً عن علة تحريم الخمر : لم حرّم اللّه الخمر أو لماذا حرم اللّه الخمر ؟  فتأتي الإجابة الأولى بأنه قد حرّمها لأجل خاصة الإسكار التي بها ، وهذا ما يسمّيه الأصوليون بعلة الحكم، فهي عندهم : (( وصف ظاهر منضبط يشتمل على معنى يناسب شرع الحكم عنده )) .
        ويمكن أيضاً أن نطلق على هذه الإجابة العلّة الأولى ، ثم يسأل الأصولي : ولماذا كان الإسكار وصفاً يناسب التحريــم ؟ ويجيب : بأن الإسكار يؤدي إلى ذهاب العقل ، والحفاظ عليه من مقاصد المكلّف الخمسة المشهورة ، وهي : حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ الدين وحفظ العرض وحفظ المال .
    ويمكن أن نطلق على هذه الإجابة في تلك المرتبة علّة العلّة ، أو العلّة الثانية ؛ لأنها إجابة عن السؤال الثاني الذي تولّد عن السؤال الأول .
        ثم تمتد به الأسئلة في صورة سلسلة متتالية فيسأل : ولِمَ كان ذهاب العقل مقتضياً للنهي ؟
        وتأتي الإجابة بأن العقل مناط التكليف ، والتكليف إنما يكون لتحقيق مراد اللّه من خلقه ، ولقد أخبرنا الوحي بأن مراد اللّه من خلقه هو عبادة اللّه وعمارة الدنيا :قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
    (1) ، وقال تعالى : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } (2) ، وقال : {إني جاعلٌ في الأرض خليفة}(3) ؛ فنجد أنفسنا في هذه الرتبة من رتب الإجابات على الأسئلة المتتالية الممتدة قد انتقلنا إلى مباحث علم الكلام ، ويمكن أن نسمي تلك الإجابة علّة علّة العلّة ، أو العلّة الثالثة .
        وههنا تنبيه على لطيفة من لطائف كلام الفقهاء والأصوليين حيث يتكلمون عن أن الحكم الفلاني لا علّة له إنما هو للتعبد ، ونجد الفقهاء يختلفون فيذهب بعضهم إلى أن حكماً معيناً معلّل ، وبعضهم إلى أنه غير معلّل بل تعبِّدي ، ونجد أنهم يذكرون علّة للحكم ، ثم يعودون فيصفونه بالتعبد ، ونجد أنهم قائلون بتعليل الأحكام ، وأنهم قائلون أيضاً بأن أحكام اللّه غير معلّلة .
        وبفهم نظرية الأسئلة الممتدة ينفكّ التناقض في هذه الصور كلها ؛ حيث إن العجز عن إيجاد وصف ظاهر منضبط يشتمل على معنى معقول يناسب شرع الحكم عنده ، بحيث لا يبقى في الإجابة على السؤال إلا أن اللّه قد أمَرَ ، ولابُدّ من اتباع أمره - هو حقيقة التعبُدّ .
        فالوضوء
    (4) بهذه الكيفية المعروفة لا يمكن أن نجيب عن سؤال : لماذا هذه الأعضاء بهذه الكيفية بطريقة فيها ترتيب أمور معلومة للتوصّل بها إلى مجهول (وهو حقيقة الفكر) (5) ، ومن هنا فإن الوضوء تعبُد محض .
        في حين أن الإمام مالكاً لم يستطع أن يجيب عن السؤال بلماذا في قضية غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبعاً إحداهن بالتراب ، فجعل هذا الأمر على سبيل التعبُد
    (6) .
        وأجاب الشافعي بأن ذلك الترتيب لتغليظ نجاسة الكلب
    (7) بحيث يصير لعابــــه أشدَّ نجاسة من البول مثلاً ، ولكن إذا امتدت أســـئلة الشافعي فسأل : لماذا كان لعاب الكلب أشدَّ نجاسة من غيره فلا إجابة معقولة المعنى لهذا السؤال مما يعني التعبُد في العلّة الثانية ، أي : في الإجابة على السؤال الثاني .
        فالفرق بين الفقيهين هو في الإسراع بالإجابة بالتعبُد على الأسئلة الممتدة .
        ونراهم يختلفون في علّة تحريم الربا على نحو عشرة مذاهب ، ثم نرى الشيخ الجمل في حاشيته
    (8) يؤكد أن علّة تحريم الربا هي التعبُد ، وتوضيح ذلك إنما يكون بتسكين كل إجابة لمرتبة من مراتب الأسئلة الممتدة ، وبهذا يتضح أن اختلافهم في تعليل الأحكام جاء على هذا النظام ، فالأحكام معلّلة في إجابات الأسئلة الأولى ؛ لأنها تؤول إلى التعبُّد والله {فعال لِمَا يُريد} (9) ، و{لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون } (10) في إجابات الأسئلة الأخيرة .
        وغني عن القول أن إطلاقنا مصطلح العلّة الأولى والثانية ونحوها ليس له علاقة بما استقر في العلوم الأخرى كعلم الكلام وعلم النحو وغيرهما، بل هي تسميات تناسب معاني الأفكار التي نريد أن ننقلها إلى القارئ ، ومن المهم في مثل بحثنا هذا أن نبين أن المصطلح في مرحلة التفكّر يجب أن يكون مرناً نستشف الفكر من خلاله دون أن نلقي بظلال مصطلحات مستقرة عليه حتى يمكن تغييره ، أو إطلاق أي لفظ بإزائه ، إلى أن يستقرّ بين الجماعة العلمية ، وهذا الشأن من خصائصه إطلاق الفكر للإبداع الملتزم ، وهو ما افتقدناه بفقدنا لخصائص عصور الاجتهاد الأولى .
        ومن هذا أيضاً تأتي مباحث تعريف العقل ، والتكليف ، وهل للفعل صفات ذاتية ، وهل أمر اللّه سبحانه مستلزم لإرادته ؟ وما الفرق بين الإرادة الشرعية والكونية ؟ وهل يصحّ التكليف بما لا يطاق؟ وهل يصح تعلّق الأمــر بالمعدوم ؟ وهل يتعلق الحكم القديم بالحادث ؟ وهل أمر الله ونهيه يكون لعلّة وحكمة ؟ وهل علل الشرع بمعنى الباعث والداعي ؟ وهل كل مجتهد مصيب ؟ وهل يجتهد الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وهل حكم اللّه يتعدد بتعدّد الأشخاص واجتهادهم ؟ وهل تتكافأ الأدلة وتتعادل ؟ إلى غير ذلك مما يدرسه الأصولي درساً أصلياً ، ويحتاج فيه إلى الفلسفة الإسلامية احتياجاً أساسياً .
    ولنأخذ من هذه الموضوعات مثلاً ، وهو : قضية اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويبدو أنها قد نشأت في الفكر الأصولي بناءً على ما قد أُثير في الفلسفة الأرسطية من أن الإنسان إذا ما كان أمامه طريقان أحدهما قطعي ، والآخر ظني في تحصيل معلومة ما ، فهل يجوز له أن يسلك الطريق الظني مع تمّكنه من سلوك الطريق القطعي ؟
        ثم سرت هذه المسألة إلى الأصول ، فنشأ السؤال عن جواز اجتهاد الأنبياء من عدمه ؛ لأن النبيّ يمكن أن يتلقى الحكم من الوحي ، وهو قطعي ، ويمكن أن يصل إليه بالاستنباط وهو ظني ، وتولّد عن هذا مسألة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وسلم هل يمكن أن يخطئ في اجتهاده ؟ فاختار الجمهور أنه لا يخطئ حتى قال ابن السبكي في كتابه الإبهاج
    (11) : ((وأنا أطهّر كتابي أن أحكي فيه قولاً غير هذا القول )) ، في حين أن ابن الحاجب (12) قد اختار خلاف ذلك بشرط عدم الإقرار عليه ، وجعل الإقرار عليه والسكوت عنه حكماً بصحّته.
        إن هذه الأسئلة الممتدة كما شرحناها تُبيّن مصادر وموارد أيِّ عِلْمٍ وتبيّن علاقة ذلك العلم بغيره من العلوم ، وقد تقرر عند الأصوليين أن أصول الفقه مستمد من علوم ثلاثة ، وهي : علم الكلام ، واللغة العربية، والفقه الإسلامي ، ويعني ذلك الاستمداد أن الأسئلة الممتدة تؤول إلى واحد من هذه الثلاثة عند جرياناها . وهكذا يمكن من خلال نظرية الأسئلة الممتدة حل كثير من إشكالات الفكر التى تواجه الإنسان . والله من وراء القصد .


    المصادر والمراجع:
    -----------------------------
    1) الإبهاج لآل السبكى (تقى الدين على بن عبد الكافى السبكى الشافعى ، ت 756هـ ، وابنه تاج الدين عبد الوهاب بن على الشافعى ، ت 771هـ) ، بتحقيق الدكتور شعبان إسماعيل ، ط الكليات الأزهرية الأولى ، 1401هـ/ 1981م .
    2) الإحكام فى أصول الأحكام ، للآمدى (سيف الدين أبى الحسن على بن أبى على بن محمد الشافعى ، ت 631هـ) بتعليق عبد الرزاق عفيفى ، المكتب الإسلامى ، بيروت ، ط2 ، 1402هـ .
    3) البحر المحيط ، للزركشى (بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعى ، ت794هـ) ، دار الكتبى ، ط1 ، 1414هـ /1994م . وط وزارة الأوقاف بالكويت ، ط1 ، 1419هـ/ 1988م .
    4) بيان المختصر ، للأصفهانى (شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الشافعى ، ت749هـ) ، تحقيق د . محمد مظهر بقا ، ط جامعة أم القرى ، مكة المكرمة ، ط1، 1406هـ/ 1986م .
    5) التبصرة للشيرازى (أبى إسحاق إبراهيم بن على الشافعى ، ت476هـ) ، تحقيق محمد حسن هيتو ، دار الفكر دمشق ، 1400هـ/1980م .
    6) حاشية الجمل (سليمان بن عمر بن منصور العجيلى الأزهرى الشافعى ، ت 1204هـ) على شرح المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى (أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصارى السنيكى المصرى الشافعى ، ت926هـ) ، ط التجارية الكبرى ، 1375هـ .
    7) مغنى المحتاج شرح المنهاج ، للخطيب الشربينى (شمس الدين محمد بن أحمد القاهرى ، ت 977هـ) ، ط مصطفى الحلبى ، 1377هـ /1958م .
    8) منتهى السول والأمل فى علمى الأصول والجدل ، لابن الحاجب ( أبى عمرو عثمان بن عمر النحوى المالكى ، ت646هـ) ، مط السعادة ، 1326هـ .
    9) مواهب الجليل فى شرح مختصر خليل ، للحطاب (محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى ، ت 954هـ) ، مكتبة النجاح ، ليبيا، مصورة على الطبعة الأولى ، د ت .

     

    الهوامش:
    -----------------------------
    (1)
    الذاريات 56 .
    (2)
    هود 61 .
    (3)
    البقرة 30 .
    (4)
    راجع فيما يلي عن الوضوء : مغني المحتاج 1/47 مصطفى الحلبي .
    (5)
    بيان المختصر لأبى الثناء الأصبهاني 1/39 ط . كلية الشريعة بمكة .
    (6)
    مواهب الجليل 1/177 دار الفكر بيروت .
    (7)
    مغني المحتاج 1/83 مصطفى الحلبي .
    (8)
    حاشية الجمل على شرح المنهج 3/45 المكتبة التجارية قال في الحاشية 3/45 عن الربا : ((وحرمته تعبدية ، وماذكر فيه من أنه يؤدي إلى التضييق ونحوه حكم لا علل )) ، وقال : ((وحكي عن بعضهم التصريح بأن التعبدي هو الذى لم يُدرك له معنى))، وقال : ((إنهم قد يطلقون التعبدي على مالم يظهر له علة موجبة)).
    (9)
    البروج 16 .
    (10)
    الأنبياء 23 .
    (11)
    الإبهاج 3/172 .
    (12)
    المنتهى 162 ط السعادة .
    وانظر في المسألة : التبصرة للشيرازي 524 ، الإحكام للآمدي ، المكتب الإسلامي 4/216 ، البحر المحيط للزركشي 6/218 .


    المصدر : أصول الفقه وعلاقته بالفلسفة الإسلامية ، لفضيلة مفتى الديار المصرية ، أ . د على جمعة .

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    تعليقات الزوار ()