بتـــــاريخ : 10/14/2008 6:55:09 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 909 0


    وكانت فتاة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة وكانت فتاة

     

    -لا لا .. إنه يؤلم .. آه

    -قليلاً .. لا تتحركي .. لاتتـ .

    -...

    -أو .. لا تتحركي .. نعم .. نعم

    -آه .. آ آ آه ..

    صوت الباب يصفق بقوة ..

    -أبي !

    -لا .. باب الحمام .. الريح ..

    خطوات هامسة .. صرخة : ماذا تفعلان ؟!

    -أبي !

    يرمقها بنظرات غاضبة ساخطة ، يلتفت إلى زوجته معاتباً ..

    -لقد أخذتها إلى ..

    -أنا جائع .

    تهرول زوجته إلى الخارج ، تتركهما معاً ، يعود ليرمقها بتلك النظرات التي تعرفها جيداً ، تخفض رأسها ببطء وحذر تتنهد بارتياح ، لكنه ارتياح مؤلم ، تركت عنقها يسقط إلى الخلف ، تحدق إلى .. يدان مرفوعتان إلى أعلى مشدودتان معاً بحبل ينتهي بحلقة حديدية معلقة بالسقف ، تبتسم تسخر من ابتسامتها ، تسخر من الغرفة ورائحتها القديمة ، تسخر من نفسها وحياتها المعلقة بحبل قديم ورجل عتيق .

    تتذكره .. ما زالت تتذكر وجهه الأسمر ، عينيه الكبيرتين ، وقامته الرفيعة وأهم من كل ذلك لسانه الطليق ، لا يمكن أن يكون ريفياً ، هذا ما كانت تقوله ، فيرد عليها مازحاً بل أنا أبن هذه الأرض .. لكني مختلف عنكم ولدت وفي لساني أحلى الكلام ، حتى ضحكته مختلفة ، حدثت نفسها ، قبلاته عندما سمحت له أن يقبلني تختلف عن قبلات أمي وأبي .. أبي لا أتذكر أنه يوماً قبلني ، يفضل أن يقبل الأرض على أن يقبلني .

    تنظر إلى الحلقات المرسومة في معصمي يديها ، جروح غائرة ملتهبة اعتادت عليها ، لكن من يراها بالتأكيد سيغشى عليه .

    يراها ! من وكيف ؟ لا أعرف سوى وجه أمي التعس ووجه أبي الــ ...

    يتمهل النهار في المغادرة ثم يأتي الليل في استحياء .. لكن لا فرق عندها ، من يعيش في الظلام لا يحسب الساعات والأيام .. هذا ما كانت تردده لنفسها .

    هاهي خطواته الثقيلة .. ثقيلة لدرجه أشعر بها تطقطق عظامي ، رائحته مثل الزريبة ، مازلت أذكر رائحة الزريبة كلما قدم ، يرميها كلها على وجهي كلما تنفس ، يفك الحبال عن يديه بطريقة لا تسمح لأصابعه المتصلبة أن تلمسني ، لا يريد أن يوسخ يديه بي ، تم يتركني اسقط ، يذهب ويصفق خلفه الباب ، ما الفرق أن أبقى معلقة بالحبال متضرعة يداي إلى أعلى ، أو أن أبقى جالسة محدقة صوب الباب انتظره ليعيد إلى جسمي ارتفاعه ، مازلت أذكره عندما كان يدخل عبر الباب مندفعاً بعد صلاة الفجر ويراني نائمة فيقوم بركلي بقوة ويرفعني ، ويشد الحبال حول معصمي ، بكل ما أوتي من قوة ، لكن الآن .. يدخل بتمهل ، يجدني في انتظاره أرفع بقايا جسدي ، يشد الحبال حول معصمي ، يصفق الباب ويرحل ، لكنه لا ينسى أبداً أن يرمقني بتلك النظرات التي أعرفها جيداً وأكرهه .

    تقبلها في جبينها ، تمسح العرق عنها ثم تبدأ في إطعامها .

    -أمي

    -....

    هل رأيته اليوم ؟

    تهز رأسها : نعم رأيته .

    -أما زال فتياً !

    تتطلع إلى أبنتها ، تتردد في الإجابة .. تستدير إلى الخلف بأرتباك توهم أبنتها بأنها تضع صحن الطعام على الأرض ، وتقول مع شيئ من الخوف : لقد غزا الشيب رأسه .

    -آه

    -...

    -أبنته ! .. مازال أسمها على أسمي .

    ما العيب أن نحب ، بل ما العيب لو أنا أحببت ؟ هذا كان سؤالي ، يرى أنه تمرد على تقاليده التي رسمها لي منذ أن ظهرت إلى الحياة ، منذ أن كشف أني لا انتمي إلى فصيلته .

    بنت ! هكذا كان يناديني لم أسمعه يوماً يلفظ أسمي أو يبتسم لي ، مجرد قطعة قديمة تالفة أخطأ في شرائها فوضعني في زاوية بعيدة في المنزل، عندما عرفته أيقنت أن ليس كل الرجال مثل أبي ، أحببته منذ أول كلمه سمعتها منه ، كلما لفظ أسمي أشعر به وكأنه يسلب روحي من جسدي حيث يتركه دون روح ، ما زلت أشعر بلمساته في جسدي لها أثر يوازي أثر الجرح، تركته يقبلني يداعب شفتي بشفتيه ، ويتلصص بأصابعه جسدي ، حرارة، عناق حتى ذات مرة رآنا أبي ونحن في حالة عناق مختبئين في الزريبة ، يهرول الحبيب هارباً ، تهوي أيادي عديدة على وجهي ، لكنها لم تكن سوى يدي أبي ، تتدخل أمي .. يضربها أيضاً ، يرفع خنجره عالياً ليقطع به عنقي ، تفلت أمي راكعة تصرخ تبكي راجية السماح والستر ، ينزل يديه ببطء ، تم يأمرني أن أرفع ثوبي تهز لي أمي رأسها ، يدخل أصابعه يفتش ، أتبول عليها.

    عاد في المساء يحمل حبالا متينة ، أخدني إلى الغرفة السفلى وشد يديّ بالحبال حيث تركني معلقة .. أشاع بعد ذلك بأني تزوجت رجلاً قريباً له ورحلت معه إلى المدينة .

    -نعم .. مازالت أبنته تحمل أسمك ، هكذا كان صوت الأم ضعيفاً .

    خرجت تجر خلفها سنوات من الآلام ، ولجت إلى غرفتها ، تأملت زوجها من النافذة وهو يحرث الأرض كما حرث جسدها راقبت ساعديه وهما يلمعان من العرق لا يمكنها أن تنسى عندما كانا يهويان ضرباً وصفعاً على جسدها وأبنتها وأصابعه التي راحت تفتش بين فخذي أبنتها ، لم تسأله ماذا اكتشفت هذه الأصابع وكان جواب أبنتها البكاء كلما سألتها عن علاقتها بالفتى ، إذ تعرف من تلك العينين الغارقتين بالدموع مدى صدقها وكذبها ، لكن الدموع الآن قد جفت ، أحاطت عينها هالة كبيرة من الحزن ، أسندت رأسها على فراشها ، وأغمضت عينيها إذ تمنت نوماً لا تصحو منه .

    دهشت ، لماذا يأتي الآن ، أين أمي ؟ كان واقفاً أمام الباب يحدق فيها ، لكن نظرته هذه المرة تختلف - حزينة ضعيفة ، صاحت بارتياب: أين أمي ؟

    لم يقل شيئاً أخرج خنجره من خصره تطلعت إليه ، قطبت حاجبيها متٍسائلة بخوف غريب ، رسمت على جبينها خطوطا بريشة الزمن .

    عادت تصيح: ماذا تفعل ؟ أين أمي ؟ أمي ..

    أغلق الباب ، خطا نحوها ، وبين أصابعه خنجره ، وقف أمامها لم يعد يحمل رائحة الزريبة ، لكنه كان يحمل شيئاً أخر في عينيه، كانما هما مطموستان في بركة ماء .. ماتت .

    لم يكن صوته ، ولا صوتها ، كان صوت الزمن ، فلتت منها كلمات : قتلتها .. قتلتها .. لماذا ؟!. تأملت الخنجر لعلها ترى آثر والدتها فيها .. مضى الوقت ، وكل منهما يحدق في الأخر ، لم تعد ترهبه هاتان العينان فقد بدتا أمامها ضعيفتين بائستين ، كان الموت دائماً يتلفع بقناع والدها .

    ماذا ينتظر ؟ لماذا لا يقتلني ؟

    هتفت : هيا اقتلني .. ماذا تنتظر .. لا تعذبني.

    تراخت أصابعه وسقط الخنجر على الأرض .

    تمتمت هامسة وبريبة : أبي .. أبي وتردد صوتها في المكان وبدا وكأنها مثلها سجين إنفجرت باكية: هيه ؟ أنت أيها العجوز لا تتركني هكذا .. اقتلني .. اقتلني ، لا جواب سوى صدى صوت الفتاة وبكاؤها سقط الظلام عليهما سقطته الأخيرة، وهما واقفين لا يتحركان

    كلمات مفتاحية  :
    قصة وكانت فتاة

    تعليقات الزوار ()