إسلام عمير بن وهب رضي الله عنه
    * عن عروة بن الزبير ، قال : جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان ابن أمية في الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير ، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويلقون منه عناء وهو بمكة ، وكان أبنه وهب بن عمير في أسارى بدر . 
قال ابن هشام : والذي أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر ، عن عروة فذكر أصحاب القليب ومصابهم ، فقال صفوان : والله ما إن في العيش بعدهم خير قال له عمير : دقت ، أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي ، لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي فيهم عليه ، ابني أسير في أيديهم . 
    قال : فاغتنمها صفوان بن أمية فقال : علي دينك أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ، لا يسعني شيء ويعجز عنهم .
فقال له عمير : فاكتم علي شأني وشأنك . قال : سأفعل . 
قال : ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ، ثم انطلق حتى قدم المدينة ، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ، ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوهم ، إذا نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحاً السيف . فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر ، وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر . 
 ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه. قال : فأدخله علي ، قال : فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها ، وقال لمن كان معه من الأنصار  : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده ، واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون . 
    ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال : " أرسله يا عمر ، ادْن يا عمير " فدنا ثم قال : أنعم صباحاً ، وكانت تحيه أهل الجاهلية بينهم. فقال رسول الله : " قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام  تحية أهل الجنة " قال : أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد . 
قال : " فما جاء بك يا عمير ؟" قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه . 
قال : " فما بال السيف في عنقك ؟ " 
قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئاً !. 
قال: " اصدقني ما الذي جئت له ؟ " قال : ما جئت إلا لذلك. 
قال : " بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ، فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً ، فتحمل لك صفوان بن أمية بدين وعيالك ، على أن تقتلني له ، والله حائل بينك وبين ذلك " . 
    فقال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله . فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق . ثم شهد شهادة الحق .  
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقهوا أخاكم في دينة، وعلموه القرآن واطلقوا أسيره " ففعلوا 
ثم قال : يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله ، وأنا أحب أن تأذن لي ، فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ، وإلى رسوله ، وإلى الإسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم . 
قال : فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة . 
وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول : ابشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر . 
وكان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه ، فحلف ألا يكلمه أبداً ولا ينفعه بنفع أبداً . 
قال ابن إسحاق : فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى إلإسلام يؤذي من خالفه أذى شديداً ،فاسلم على يديه ناس كثير . 
درجة الحديث : 
قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .
قلت : وهو حسن . 
 
 غريب القصة : 
ـ عمير بن وهب : صحابي من الشجعان ، ستأتي ترجمته قريبًا في إعطاء الأمان لصفوان بن أمية رقم(49) . 
ـ حرزنا : قدرنا . 
ـ لببه : أي جمع عليه سلاحه وقبض عليه قال ابن الأثير في النهاية : ( 4/223) " لببت الرجل ولببته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به ، وأخذت بتلبيب فلان إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه تجره ، والتلبيب مجمع ما في موضع اللبب من ثياب الرجل . 
الفوائد والعبر : 
1-   اتخاذ الحيطة من غدر الأعداء واجب . 
2-   عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم غير تحية الإسلام . 
3-   عصمة الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام . 
4-   السلام تحية أهل الجنة . 
5-   الإيمان يغير الإنسان من حال إلى حال . 
6-   " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام " . 
7-   سماحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . 
8-   حسن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام حتى مع أعدائه . 
9-   من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم