بتـــــاريخ : 9/21/2008 11:14:47 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 939 0


    المناخ الصالح وأثره في الدعوة والتربية

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبد الحليم الكناني | المصدر : www.yanabeea.net

    كلمات مفتاحية  :
    المناخ أثره التربية

    أهمية المناخ الصالح:

    حين نتذاكر معًا حديث الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- عن الرجل الذي قَتَلَ مائة نفس، وأراد التوبة فأوصاه أعلمُ أهل الأرض بقولِه: "انطلق إلى أرضِ كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجعْ إلى أرضك فإنها أرض سوء".. نتعلم يقينًا أهمية المناخ الصالح وتأثيره الإيجابي في الدعوةِ والالتزام، ذلك أنَّ هذا الرجل العالم رأى صعوبة التوبة والثبات عليها في مثل هذا المناخ الفاسد الذي يعيش فيه هذا الرجل ووصفه بقوله "إنها أرض سوء"، ونصحه بالذهاب إلى أرض أخرى بها قوم مؤمنون حتى يكون هذا المناخ الجديد عونًا له في صحةِ التوبة، واستمرارها ونجاح العملية التربوية.

     

    وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكةَ تُمثِّل الحد الأدنى من المناخ الإسلامي؛ نظرًا لأن المؤثرات الموجودة فيها كلها مؤثرات إيجابية من تلاوةٍ للقرآن وصلاة وتواصٍ بالحق وتواصٍ بالصبر، بل كانت الهجرتان تمثلان بحثًا عن مناخٍ أفضل بعيدًا عن الشرك والمشركين.

     

    - محاور المناخ الصالح في حركتنا الدعوية:

    ويتمثل المناخ الصالح في حركتنا الدعوية في التالي:

    1- يبدأ بمناخ الصداقة العميقة التي يسودها الحب والثقة بين الداعي والمدعو والذي يتمثل في:

    - قضاء الوقت معه في صور مختلفة من الأعمال (تزاور- تعبد وأداء طاعات- نزهة- تريض).

    - الاتصال به تليفونيًّا (الاطمئنان على أحواله- تذكيره بطاعة أو عبادة..).

    - الوصايا العملية المتبادلة بينهما (والتي تمثل استمرارًا لمناخِ الحب والطاعة الذي يلتقيان عليه معًا).

     

    2- ثم مناخ الأخوة العميقة والمعايشة بين الدعاة الصادقين:

     وهو من أهم المؤثراتِ في نفوس الأفراد الجدد، فهذا المناخ النقي الذي تسوده آداب الأخوة في الله، وتحكمه آداب وأخلاق وسلوكيات ديننا الحنيف، يتميز بمميزاتٍ لا توجد  في أي مناخٍ آخر، وما عاش فرد في هذا المناخ ولو لفتراتٍ قصيرةٍ إلا وأحسَّ بالفارقِ الشاسع بينه وبين أي تجمع أو مجتمع آخر.

     

    ولو أحسن الداعية وزملاؤه الاستفادة من هذا المناخ الصالح في تربية وتنمية المدعوين والارتقاء بهم لكان تأثيره عظيمًا، ومن أهم ما يوجد في هذا المناخ:

     

    - التعارف السهل الصريح غير المتكلف (سهولة تكوين صداقات قوية رغم اختلاف ظروف  الأفراد).

    - التآلف والتزاور والمعايشة العملية بين الأفراد رغم الفوارق الاجتماعية والمادية والعلمية وغيرها.

    - الحرص على المشاركاتِ الاجتماعية بصدقٍ وتفاعل بين أفراد هذا المناخ.

    - المشاركة المعنوية والمادية والتكافل بينهم في الأحداث والطوارئ.

    - المصاحبة والمشاركة في أداء الطاعات والعبادات وكافة الأعمال، والتشجيع الجماعي عليها، مما يساعد على تعود الفرد عليها واكتسابه صفات ومميزات وسلوكيات إيجابية بفعل تواجده في هذا المناخ.

    - انتفاء أو ندرة المؤثرات السلبية على الفرد في هذا المناخ (الألفاظ النابية- المعاني والموضوعات المبتذلة والهابطة- الكبر والتفاخر- السخرية والانتقاص من الآخرين).

     

    وهناك نموذج رائع لمناخ الأخوة وأثره في الأفراد الجدد نستمده من حديث وفد عبد القيس وفيه:

    "ثم أقبل (الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم) على الأنصار فقال: "يا معشر الأنصار، أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام، أشبه شيء بكم أشعارًا وأبشارًا، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين، إذا أبى قوم أن يسلموا حتى قُتلوا" .

     

    فلما أصبحوا قال: "وكيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إياكم؟".

    قالوا: خير إخوان، ألانوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلمونا كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فأُعجبت النبي صلى الله عليه وسلم وفرح بها".

     

    3- والمسجد: مناخ الدعوة والتربية:

    وهو مناخ أساسي ورئيس للدعوة والتربية، يجب أن نحرص عليه ونستفيد من مؤثراته الإيجابية في تربية المدعوين تربيةً عباديةً وروحيةً واجتماعيةً وسلوكيةً حتى تتحققَ فيهم صفات الفرد المسلم الصحيح: عقيدة وعبادة وأخلاقًا وسلوكًا، ولأننا دعوة ربانية إسلامية فإن أول مانهتم به هو اكتمال هذه الجوانب لدى المدعو، وإن إغفالها أو ضعفها ينشئ أفرادًا يغلب عليهم الجفاف والتقصير، وربما غلب عليهم التكوين الفكري فصاروا فلاسفة، أو الإعداد الإداري فصاروا حزبيين سياسيين، وما تريد دعوتنا إلا أن يكونوا في المقام الأول دعاة مجاهدين.

    ومن أهم الأمور التي نحرص عليها في مناخ المسجد:

    - صلاة الجماعة في المسجد والمحافظة عليها.

    - صلاة الفجر والحرص عليها في كل الأحوال والظروف.

    - سنة الاعتكاف والمكث في المسجد (من الفجر إلى الضحى- من المغرب إلى العشاء- اعتكاف العشر الأواخر من رمضان).

    - دروس العلم وحلقات التلاوة والذكر.

    - التعارف الاجتماعي والأخوي والدعوي مع رواد المسجد.

    - اتخاذ المسجد منطلقًا رئيسيًّا من منطلقاتِ الدعوة والحركة.

     

    4- مناخات الدعوة والنشاط والحركة:

    وهي الأعمال والأنشطة الجماعية التي يقوم بها الدعاة أو يشاركون فيها وتمثل مناخًا جماعيًّا للتربية بجوانبها المختلفة: عبادية روحية وفكرية ثقافية وبدنية رياضية واجتماعية عملية.

     

    ومن المناخات الجماعية المهمة:

    - النشاطات الدعوية الجماعية (المباريات والدورات الرياضية- الرحلات التربوية والترفيهية..).

    - الندوات والنوادي الأدبية والفكرية والسياسية والمؤتمرات والمسيرات.

    - الحفلات الفنية الغنائية والتمثيلية الإسلامية وحفلات السمر الهادف.

     

    - أصول وآداب سلوكية في مناخ الدعاة:

    1- أهمية شيوع القدوة والالتزام الصحيح في مناخ الدعوة والدعاة:

     وهذا أمرٌ هامٌّ وخطيرٌ، فمناخ الدعاة يجب أن تسيطرَ عليه الآداب والأخلاق والسلوكيات والألفاظ والتعبيرات الإسلامية، ويكون هذا هو السمتَ الغالبَ عليه، ولا يسمح أبدًا بأن تشيعَ فيه وتتداول بين أفراده أيُّ سلوكياتٍ أو تعاملاتٍ أو ألفاظٍ تنافي ذلك، ويجب أن يقدم الداعية وإخوانه نموذجًا وقدوةً تحتذى في هذا الأمر، حتى يتعلم منهم ويقلدهم ويتخلق بأخلاقهم كل من يرتبط بهذا المناخ.

     

    وتكون الطامة الكبرى حين يغيب عن هذا المناخ تلك الصورة الوضيئة للالتزام أو تشوبها شوائب مما اعتاده عامة الناس من ألفاظ وتعبيرات وتعاملات، حينئذ لا يكون لهذا المناخ أثر تربوي حقيقي في الأفراد، بل ربما صنع فجوةً وانفصامًا بين ما يتعلمه الأفراد وما يعيشونه واقعًا، وما أسوأَ أن تشيعَ في مناخِ الدعاةِ الغِيبةُ والسخريةُ وعلوُّ الأصوات، وتقليد ألفاظ وتعبيرات السوقة والممثلين، فليحذرْ ولينتبه الدعاة.

     

    ولننظرْ كيف كان مناخ التربية الذي يعيشه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصفون مجلسه: "مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم (لا توصف فيه النساء)، ولا تُنثى فلتاتُه (الفلتات السقطات، لا يتحدث بها بعضهم عن بعض)، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجة، ويحفظون الغريب".

     

    وما أروع وصف عروة بن مسعود لمجتمع الصحابة مع الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- فقال يصف لأصحابه: "أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا- صلى الله عليه وسلم- والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا أخفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له".

     

    2- ضرورة التوجيه التربوي وعدم إقرار المنكر:

    وهذا أيضًا من الأمور الهامة والخطيرة في مناخ الدعوة، فصدور بعض الأخطاء التي تمس أصولاً في الفهم الصحيح للإسلام، وتنافي أصولاً في آدابه وأخلاقه، وعدم التنبه لذلك وإنكاره (بالمناسب من صور وأساليب الإنكار، ومنها: الصمت والإعراض وعدم التجاوب)، كل ذلك من شأنه أن يقر هذا الخطأ والمنكر، ويجعل له في القلوب ألفةً واستمراءً، ثم تجاوبًا وقبولاً، ونهدم بذلك أصولاً عظيمةً في التربية والسلوك من حيث لا ندري.

     

     

    وفي حياة الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- أمثلةٌ كثيرةٌ تمَّت فيها هذه المراجعة التربوية: عن أبي ذرٍّ قال: إني ساببت رجلاً فعيَّرته بأمه، فقال لي النبي- صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا ذر، أعيَّرته بأمه، إنك امرؤٌ فيك جاهلية".

     

    وهذان موقفان لصحابي واحد.. انظر كيف كان تعامل الرسول القدوة مع كل موقف منهما:
    ففي طريقهم إلى بدر: "لقوا رجلاً من الأعراب، فسألوه عن الناس، فلم يجدوا عنده خبرًا  فقال له الناس: سلم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال: أوفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم، فسلم عليه، ثم قال: إن كنت رسول الله فأخبرني عمَّا في بطن ناقتي هذه، قال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأقبل عليَّ فأنا أخبرك عن ذلك، نزوت عليها، ففي بطنها منك سخلة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مه، أفحشت على الرجل"؛ ثم أعرض عن سلمة".

     

    "ثم ارتحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومَن معه من المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش: ما الذي تهنئوننا به، والله إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدنِ المعلقة فنحرناها، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "أي ابن أخي أولئك الملأ" يعني الأشراف والرؤساء ".

     

    3- الرفق في العتاب والمحاسبة:

    وهذا الأمر مكمل للنقاط السابقة، ويحتاج لحكمةِ الداعية وكياسته في التعامل مع الأفراد، وما يصدر عنهم من أخطاء، ولا يحتاج الأمر لكثير بيان، ونكتفي بعرضِ هذه الأمثلة الموفقة:
    عن معاويةَ بن الحكم السلمي قال: بينا أنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصلاة إذ عطس رجلٌ من القومِ فقلت: يرحمك الله، فحدقني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه.. ما لكم تنظرون إليَّ؟ قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يسكتوني سكت، فلما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعاني بأبي وأمي هو ما ضربني ولا قهرني ولا سبَّني، ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، قال: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلامِ الناس إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن".

     

    ويقول الأستاذ عمر التلمساني: "كان الأستاذ البنا إذا آخذ يؤاخذك في رفق، يشعرك بالخطأ دون أن يجرحك، في ساعاتِ الرضى كان يناديني باسمي المجرد يا عمر، فإذا كان هناك ما يستدعي المؤاخذة ناداني: "يا أستاذ عمر"، فأشعر على الفورِ بأنَّ هناك ما لا يرضيه".

     

    واحذر أخي الداعية من كثرة العتاب والمحاسبة، حتى لا تتعود النفوس على ذلك منك، ولا يصبح لعتابك فيهم أي تأثير، وقديمًا قال بعض الحكماء: "لا تكثر من معاتبةِ إخوانك فيهون عليهم سخطك".

     

    - ملاحظات نراعيها حتى تكتمل الفائدة:

    وبقيت عدة ملاحظات حول هذه المناخات نوجزها فيما يلي:

    أ- إن إشراك المدعو في هذه المناخات يجب أن يتناسب مع طبيعته وشخصيته وظروفه واهتماماته، وأن يكون بتدرجٍ يتناسب مع درجةِ استجابته ومستوى التزامه.

     

    ب- وهذه المناخات والأنشطة هي في حقيقتها وسائل وليست أهدافًا، ومجرد حضور المدعو لها ليس هو الهدف، ولكن المهم هو مدى تجاوبه واستفادته منها ومدى تحقيقها لأهدافها.

     

    ج- وحضور المدعو لهذه المناخات والأنشطة لا بد أن يكون طبيعيًّا وبرغبته الذاتية وحسب تجاوبه وارتياحه لمجتمع الدعوة والدعاة، وليس نتيجة الإلحاح المتكرر فيحضر محرجًا مضطرًا ولا يستفيد شيئًا

    كلمات مفتاحية  :
    المناخ أثره التربية

    تعليقات الزوار ()